أهداف منتدى اللسان العربي والخطاب الشرعي: تقديم خدمات متنوعة للطلبة، محركات بحث كثيرة، أخبار العالم من خلال أغلب الجرائد العربية الناجحة، مقالات علمية، مواقع للبحث العلمي، أخبار متنوعة من قنوات عالمية،موسوعات، فهارس خزانة كلية الآداب بني ملال المغرب...إضافة إلى خدمات أخرى ...

الأحد، 20 أبريل 2008

الإعلال والإبدال في علم الصرف

بقلم الأستاذ: إدريس ميموني

تقديم
الإبدال حذف حرف ووضع حرف آخر مكانه مثل: ( تلعثم / تلعذم) وهو بهذا المعنى العام يشمل الإعلال بالقلب وبعض أشكال تخفيف الهمزة، وبعض أشكال الوقف، وقد درج الصرفيون على تخصيص مصطلح الإبدال بظاهرة التبدل الصوتي التي تصيب الأحرف الصحيحة فقط.
والإبدال بهذا المعنى الضيق على نوعين:
الأول: إبدال سماعي لا يخضع لقواعد، وليس له ضوابط عامة، كإبدالهم القاف من الكاف في ( وكنة / وقنة ) والحاء من العين في ( ربع / ربح) وهذا النوع ليس تبدلا صوتيا اقتضاه تفاعل الأصوات بعضها ببعض، وإنما هو ضرب من اختلاف اللهجات.
الثاني: إبدال قياسي ناجم عن تفاعل الأصوات وتأثير بعضها في بعض، ويسمى هذا النوع بالإبدال الصرفي الشائع أو الضروري أو اللازم والأجدر من ذلك أن يسمى الإبدال الصوتي، لأنه عبارة عن تبدلات صوتية لا يترتب عليها تغيير في معنى الكلمة الصرفي أو وظيفتها النحوية، ويمكن حصر مظاهره في القوانين الآتية:
1- تقلب تاء افتعل ومشتقاته ومصدره ثاء إن كان فاء الكلمة ثاء وتدغم فيها (تأثر / اثتأر / اثثأر / اثأر)
2- تقلب تاء افتعل ومشتقاته ومصدره طاء، إن كان فاء الكلمة أحد حروف الإطباق (ط- ظ- ص – ض) (صفا اصتفى/ اصطفى) (ضجع/اضتجع/ اضتجع / اضطجع) ( طرد/ اطترد / اطرد)، ( ظلم/ اظتلم / اظطلم /اظلم )، ويجوز بعد هذا القلب أن تقلب الطاء حرفا من جنس ما قبلها وتدغم فيه، ( اصفى – اضجع –اطرد- اظلم).
3- تقلب تاء افتعل ومشتقاته ومصدره دالا إذا كان فاء الكلمة أحد هذه الحروف (د- ذ – ز)، ( دعا  ادتعى  ادعى). ذكر / اذتكر/ اذدكر). (زهر / ازتهر / ازدهر). ويجوز بعد هذا القلب أن تقلب الدال حرفا من جنس ما قبلها وتدغم فيه: ( اذكر – ازهر).وقد يعكس الإدغام في بعض ما مر في القانونين الثاني والثالث، وذلك مع التاء والذال والظاء، فتقلب هذه الحروف إلى ما صارت إليه تاء الافتعال ثم تدغم اتأر- ادكر- اطلم).
4- يجوز أن تقلب تاء ( تفاعل وتفعل وتفعلل) ومشتقاتها حرفا من جنس الفاء إذا كان هذا الفاء أحد الحروف الآتية (ث،ذ،د،ز،ص،ض،ط،ظ) ثم تدغم فيهن ثم تجتلب للكلمة فيه همزة الوصل بسبب سكون أولها الناجم عن الإدغام: ( تثاقل / إثاقل، تذاكر/ اذاكر، تدحرج/ ادحرج، تزين/ازين، تصالح/اصلح، تضافر/ اضافر، تطالب /اطلب، تظلم/اظلم).وربما حدث هذا مع السين والشين:( تسمع/ اسمع، تشاجر/ اشاجر) .
5 – إذا وقعت التاء ساكنة قبل الدال، وجب قلبها دالا وإدغامها في الدال التي بعدها، (عتود/عتدان / عدان ).
6- إذا وقعت النون ساكنة قبل الميم أو الباء، وجب قلبها ميما، فإن كانت الميم هي التي بعدها قلبت لفظا وخطا وأدغمت (انمحى / امحى)، أما إن كانت الباء هي التي بعدها، فالقلب في اللفظ لا في الخط ( سنبل / سمبل).
7- تقلب الواو في كلمة (فو) ميما وجوبا في حالة الإفراد (الفم) أما في حالة الإضافة، فيجوز القلب وعدمه (فوك= فمك).
إبدلات سماعية:
استكمالا للبحث نورد هنا طائفة من الإبدالات مما لا يخضع للقواعد العامة التي مر ذكرها، ويندرج في هذه الطائفة ثلاثة أنواع من الإبدال:
1- إبدال لهجي كإبدال بني تميم العين من همزة (أن).
2- إبدال سماعي تبنته الفصحى، ولم تقس عليه، كإبدال الفاء من الثاء في (ثوم / فوم)
3- إبدال لا تقره القوانين، وليس له تفسير سوى انه ضرورة شعرية وذلك كإبدال الشاعر الياء من السين (السادس = السادي).

اللغة والإنسان

بقلم الأستاذ: إدريس ميموني
تقديــــم:
إن البحث في قضية اللغة مهما كان منهجه ومرماه يحيلنا مباشرة إلى مشكل علاقة الإنسان باللغة في أصل اتصاله بها ثم في مدى انحصاره فيها. والتراث العربي في منطوقه ومضمونه قد زخر بتساؤلات مبدئية تمحورت حول ديمومة الإنسان باللغة منذ المبتدأ.
والتفكير في هذا الاتجاه المجرد قد كان في تنوعه وطرافته، على قدر ما كان يلامسه من مضايقات التناقض الحتمي في محاولة المفكرين النظر في علاقة الإنسان باللغة من حيث كانوا يفكرون في اللغة وباللغة في الوقت نفسه.فالقضية المبدئية إذن تنحصر في موقف منهجي حاول فيه الناظرون تأمل هذا المشكل ببعد فكري افترضوه والتزموه حيال اللغة التي استحالت مادة للفكر وموضوعا له.
إن الناظر في تراث التفكير العربي يدرك بيسر أن رواده كانوا ينزلون الإنسان منزلة اللغة في لحظة التحديد ذاتها.فالحد المميز للغة لا يتخصص إلا بدخول عنصر الإنسان فيه. يقول ابن جني:«حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم» الخصائص 1/33. كما أن حد الإنسان لا يتخصص إلا بدخول عنصر اللغة فيه، ففي مستوى التعريف المنطقي للإنسان تمثل الظاهرة اللغوية المحور الفقري الذي تتولد عنه مجموعة الفوارق التمييزية على الصعيد الوجودي والمعرفي عامة. ولا يكاد يخلو تعريف للإنسان سواء على نهج الفلاسفة أو المتكلمين، أو على طريقة الأدباء واللغويين، من قصر سمة التمييز الإنساني على ظاهرة الكلام فهو (الحيوان الناطق). فيكون النطق (الفصل الذاتي) ضمن عناصر تركيب الحد المنطقي، وهذا ما استوجب اعتبار «النفس الناطقة، هي الإنسان من حيث الحقيقة» على حد عبارة الشهرستاني في كتابه (نهاية الإقدام في علم الكلام) ص:325.
ولئن اندرج الإنسان في جنس الحيوان تبعا لمقتضيات التصنيف المتدرج للكائنات، فإنه بالكلام ينفصل عن الحيوانية ليتفرد بنوعه، فيكون الكلام بذلك جوهر الإنسانية في الإنسان، لذلك يلح المنظرون على سمة الانفصال بين الحيوانية والإنسانية ابتداء من الحد اللساني. ففي الكلام فضل الإنسان على سائر الحيوان وتكريم الخالق له، وبالكلام يخرج الإنسان عن حريم البهيمية ليدخل حد الإنسانية.
فالمنهج التعريفي يطوف بالإنسان بين عناصر الوجود متركزا أساسا على الحدث اللساني الذي يبوء الآدمي مركز الوجود في الكون، وفي هذا السياق يعمد فخر الدين الرازي إلى استطراد، منطلقه الآية القرآنية ﴿وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب﴾ سورة: ص، الآية:20. منبها فيه على «أن أجسام هذا العالم على ثلاثة أقسام: أحدها ما تكون خالية عن الإدراك والشعور وهو الجمادات والنباتات، وثانيها التي يحصل لها إدراك وشعور، ولكنها لا تقدر على تعريف غيرها الأحوال التي عرفوها في الأكثر، وهذا القسم هو جملة الحيوانات سوى الإنسان، وثالثها الذي يحصل له إدراك وشعور ويحصل عنده قدرة على تعريف غيره الأحوال المعلومة له، وذلك هو الإنسان، وقدرته على تعريف الغير الأحوال المعلومة عنده، بالنطق والخطاب» مفاتيح الغيب:26/187.
فإذا كانت جل هذه التأملات مرتكزة على تحسس روابط اللغة بالإنسان من حيث هو وجود فردي فإن الفكر اللغوي في التراث العربي قد عني بتحول قيم الظاهرة اللغوية من الوجود الفردي إلى الوجود الجماعي في المجتمع الإنساني، وبذلك فحص الدارسون أبعاد الكلام باعتباره قيمة جوهرية بين الإنسان والمجتمع.
وأول أسس هذا البحث هو اعتبار الكلام محور الاجتماع البشري، وإلى ذلك ذهب حازم القرطاجني حيث جعل حتمية حضور العامل اللغوي في استقامة تعايش الناس، سواء في تفاهمهم أو في تعاونهم على تحصيل المنافع وإزاحة المضار واشتقاق حقائق الأمور (منهاج البلغاء:344). وقد ألح الغزالي أيضا على البعد الجماعي في ظاهرة الكلام مبرزا أن الإنسان بدون خطاب لا يكون إلا حبيسا لذاته. وهو ما يؤول إلى اعتبار العامل اللغوي حبل التواصل بين الفرد والجماعة التي يعايشها (المستصفى: 1/65).
فالكلام وإن كان أداة تعبير في منطلقه فهو وسيلة لبلوغ الفرد غاياته من الجماعة، ولهذا السبب اعتبر إخوان الصفا أنه «ما من أحد إلا وهو إذا عبر عما في نفسه بلغ غرضه في إفهام السامع عنه ما يريده على حسب استطاعته وما تساعده عليه آلاته» رسائل إخوان الصفا 3/121.
أما ابن جني فإنه إذ يستقرئ الظاهرة اللغوية ينبه إلى خاصية طريفة في علاقة الإنسان باللغة عبر الحاجة، تتمثل في وعي الكائن البشري بالتراهن القائم بين وجوده وتكامل بعده اللغوي حتى إن ابن جني يعزو تصرف الإنسان في بنية لغته إلى الوعي بضرورة سد الحاجة أولا وبالذات (الخصائص1/30). أما الجاحظ فيقول: «فلولا حاجة الناس إلى المعاني وإلى التعاون والترافد لما احتاجوا إلى الأسماء» الحيوان: 5/201.
1- مقصدية الدليل الكلامي :
من المسائل المسلم بها في تراثنا العرب الإسلامي، اعتبار الدليل الكلامي دليلا قصديا، وهو ما يميز الفكر اللغوي عند العرب والمسلمين بميزة تداولية أصيلة تربط الخطاب بمرسله ومتلقيه، وهي نظرة تجعل من اللغة انجازا فعليا واقعيا، وليست بنية مبتورة عن سياقها التواصلي، وحسبنا نسجل بهذا الخصوص تأكيد علماء العرب والمسلمين على المقصدية في الكلام، لأن اللغة إنما وضعت ليستفاد منها غرضها الذي وضعت له، وهو إقدار المتكلمين على التفاهم، ومعرفة بعضهم حاجات بعض، وقد ناقش الأصوليون هذه المسألة ضمن حديثهم عن الحكمة الداعية إلى وضع اللغة (عبد الحكيم راضي، نظرية اللغة في النقد العربي ص:62 مكتبة الخانجي، مصر 1950). يقول الآمدي «لما كان كل واحد لا يستقل بتحصيل معارفه بنفسه وحده دون معين ومساعد له من نوعه… دعت الحاجة إلى نصب دلائل يتوصل بها كل إلى معرفة ما في ضمير الآخر من المعلومات المعينة له في تحقيق غرضه، ولذلك استخدم الإنسان ما يتركب من المقاطع الصوتية، التي خص بها نوع الإنسان، دون سائر أنواع الحيوان، عناية من الله تعالى به… ومن اختلاف تركيبات المقاطع الصوتية، حدثت الدلائل الكلامية والعبارات اللغوية.» الآمدي، الإحكام في أصول الإحكام 1/16-17.
فاللغة هي الوسيلة الوحيدة لقضاء حوائج البشر والتفاهم بينهم وهي الوسيلة الأكثر طواعية لأنها وجدت استعدادا طبيعيا في الإنسان، الأمر الذي مكنه من استخدامها بشكل تلقائي (عبد الحكيم راضي، نظرية اللغة في النقد العربي : ص 64) وقد تبع حديثهم عن هذه الوظيفة وما تستوجبه من مقتضيات، الحديث عن ضرورة الوضوح في الكلام حتى لا يحتاج إلى تخريج باطن. يقول ابن حزم في الرد على أصحاب التأويل الباطن «وقد علم كل ذي عقل أن اللغات إنما رتبها الله عز وجل ليقع بها البيان، واللغات ليست شيئا غير الألفاظ المركبة على المعاني، المبينة عن مسمياتها … فإذا لم يكن الكلام مبينا عن معاينه فأي شيء يفهم هؤلاء … عن ربهم تعالى، وعن نبيهم r ؟ بل بأي شيء يفهم به بعضهم بعضا» (ابن حزم ، الإحكام في أصول الأحكام: 3/39، مكتبة الخانجي الطبعة الأولى 1345هـ).
وهذا ما تؤكده تعريفاتهم للكلمة والكلام واللغة. فصارت الكلمة هي «اللفظة الموضوعة للمعنى مفردة، والمراد بالإفراد أنها بمجموعها وضعت لذلك المعنى دفعة واحدة» (السكاكي، مفتاح العلوم: ص4 ، الطبعة الأولى مصطفى البابي وأولاده بمصر 1356-1937 هـ)
أما الكلام فهو : «كل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه ، وهو الذي يسميه النحويون الجمل» (ابن جني ، الخصائص: 1/17 . تحقيق محمد النجار القاهرة مطبعة دار الكتب المصرية 1952 – 1956) وهو عند ابن سنان الخفاجي ما «يتعلق بالمعاني والفوائد بالمواضعة» (ابن سنان الخفاجي ، سر الفصاحة : ص33 شرح وتصحيح عبد المتعال الصعيدي مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة 1389هـ – 1969م). وأما اللغة فهي عند ابن جني «أصوات يعبربها كل قوم عن أغراضهم» (الخصائص : 1/33). وهي عند ابن سنان الخفاجي«عبارة عما يتواضع القوم عليه من الكلام» (ابن سنان : سر الفصاحة : ص 39). وهي عند الأسنوي «عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني» (السيوطي، المزهر: 1/8 تحقيق محمد أحمد جواد المولى وآخرون دار احياء الكتب العربية القاهرة). أما عند ابن خلدون فهي «عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني، فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها، وهو اللسان في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم» (ابن خلدون، المقدمة ص: 603 دار الجيل بيروت لبنان)
إن أهم ما يميز هذه التعريفات، هو الحضور اللازم لمتصور القصد في تنزله ضمن محركات الحدث اللساني الكامن وراء قانون المواضعة، وبذلك يصبح متعلقا بمفهومين ملابسين له في حقله الدلالي وفي اقتضائه التصوري، وهما مفهوم الإرادة ومفهوم الاعتقاد، وينصبان معا في مبدإ النية كمتصور تشريعي، فلا نتحدث عن ضرورة القصد في عملية التخاطب والإبلاغ إلا ونعني قيام هذه الجملة من الشروط الفرعية معه.(عبد السلام المسدي، التفكير اللساني في الحضارة العربية: 148، الدار العربية للكتاب ليبيا تونس، 1981م) وهذا ما يدل دلالة واضحة على أن حذق اللغة ليس مرتبطا باللغة ذاتها بل بمستوى الإنجاز والاستعمال، وبذلك تأخذ اللغة بعدها الحقيقي في العملية التواصلية التي لابد فيها من الالتزام بنظام اللغة، مع استحضار السياق أو المقام التواصلي، مع حسن التقدير في الإلقاء والتلقي، يقول ابن خلدون «إعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني، وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها، وليس ذلك بالنظر إلى المفردات، وإنما هو بالنظر إلى التركيب، فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال، بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع» (ابن خلدون : المقدمة، ص613، دار الجيل بيروت). أما عبد القاهر الجرجاني فقد عد شخص المتكلم شرطا ترتد إليه اللغة في ظاهرة الكلام وإنجاز الخطاب، مادامت اللغة مجرد رموز وسمات معبرة عن قصد صاحبها يقول: «وإذ قد ثبت أن الخبر وسائر معاني الكلام، معان ينشئها الإنسان في نفسه، ويصرفها في فكره ويناجي بها قلبه، ويرجع فيها إليه، فاعلم أن الفائدة في العلم بها واقعة من المنشئ لها صادرة عن القاصد إليها» (عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز : 418 محمود شاكر مكتبة الخانجي القاهرة الطبعة الثانية 1410 - هـ 1989 م).
ويرى عبد القاهر تبعا لذلك أن مستويات العملية اللغوية لا تقوم إلا على:
1. القصد إلى الاخبار بمعنى.
2. تعليق معنى كلمة بمعنى كلمة أخرى.
3. اعلام السامع بالخبر عن طريق تعليق الكلمات، لا عن طريق الكلمة المفردة.
4. ضرورة وجود ألفاظ ورموزمتواضع عليها، يكون العلم بمعناها مشتركا بين المتكلم والسامع (محمد دنياجي ، التفكير اللغوي عند عبد القاهر الجرجاني، قراءة في اللغة ولغة الخطاب: 158). يقول عبد القاهر الجرجاني . «وليت شعري كيف يتصور قصد منك إلى معنى كلمة دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى، ومعنى القصد إلى معاني الكلم أن تعلم السامع بها شيئا لا يعلمه، ومعلوم أنك أيها المتكلم لست تقصد أن تعلم السامع معاني الكلم المفردة التي تكلمه بها، فلا تقول (خرج زيد) لتعلمه معنى (خرج) في اللغة ومعنى (زيد) ، كيف ومحال أن تكلمه بألفاظ لا يعرف هو معانيها كما تعرف؟ ولهذا لم يكن الفعل وحده من دون الاسم، والاسم وحده من دون اسم آخر أو فعل كلاما، وكنت لو قلت (خرج) ولم تأت باسم ولا قدرت فيه ضمير الشيء، أو قلت (زيد) ولم تأت بفعل ولا اسم آخر ولم تضمره في نفسك، كان ذلك وصوتا تصوته سواء»( دلائل الإعجاز : 315 – 316).
3) مقصدية اختصاص الإنسان باللغة.
تعتبر مسلمة اختصاص الإنسان باللغة من الثوابت الموجهة لمسار البحث في تراثنا العربي الإسلامي، فلما كان البعد اللغوي العنصر المحدد في بروز خصوصية الإنسان ضمن الموجودات، فقد تعين النظر في ملابسات ارتباط الإنسان بالكلام من جهتين:
1. كونية الظاهرة بالنسبة للإنسان .
2. تهيؤ الإنسان لها (عبد السلام المسدي : التفكير اللساني في الحضارة العربية : ص 48).

ففيما يخص كونية ظاهرة الكلام في الإنسان فتتجلى في كون الحدث اللساني ملازم للوجود البشري مهما تباعد المكان أو تعاقب الزمان .
وأما تهيؤ الإنسان لها فتتجلى في الاستعداد الخلقي لأداء ما لا تتم الظاهرة اللغوية إلا به ، وهو حدث التصويت والتقطيع، وهو ما يصطلح عليه ابن جني بقابلية النفوس (عبد السلام المسدي : التفكير اللساني في الحضارة العربية: ص 48). يقول ابن سنان «لما كانت الطبيعة الإنسانية محتاجة إلى المحاورة لاضطرارها إلى المشاركة والمجاورة، انبعثت إلى اختراع شيء يتوصل به إلى ذلك، ولم يكن أخف من أن يكون فعلا، ولم يكن أخف من أن يكون بالتصويت وخصوصا والصوت لا يثبت ولا يستقر ولا يزدحم، فتكون فيه مع خفته فائدة وجود الإعلام به مع فائدة انصحائه إذ كان مستغنيا عن الدلالة به بعد زوال الحاجة عنه، أو كان يتصور بدلالته بعده، فمالت الطبيعة إلى استعمال الصوت ووفقت من عند الخالق بآلات تقطيع الحروف وتركيبها معا، ليدل بها على ما في النفس من أثر» (ابن سنا، كتاب العبارة ص2 نقلا عن عبد الحكيم راضي: نظرية اللغة في النقد العربي ص: 62). وإذا كانت تأملات المفكرين العرب قد تحسسوا روابط اللغة بالإنسان على مستوى وجوده الفردي، فإن الفكر اللغوي العربي قد اهتم أيضا بمستوى تحول الظاهرة من الوجود الفردي إلى الوجود الجماعي في المجتمع الإنساني ومن ثم فحصوا مقاصد الكلام وأبعاده باعتباره قيمة جوهرية بين الإنسان ومجتمعه. (التفكير اللساني في الحضارة العربية، ص: 50) وقد ألح الجاحظ على جعل صيغة الإرتباط بين الإنسان واللغة ارتباطا قارا على محوري النوع والزمن، وهو ما يفسر أن وجود الإنسان متراهن مع تولد الحاجات، وأن سد الحاجات متعذر خارج حدود اللغة، وبذلك جعل الجاحظ «الحاجة إلى بيان اللسان حاجة دائمة وآكدة وراهنة ثابتة» (الجاحظ، الحيوان : 1/48 تحقيق وشرح عبد السلام هارون مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، الطبعة الأولى. 1357 هـ).
أما ابن جني فقد نبه – وهو بصدد استقراء خاصية الكلام عند الإنسان – إلى التراهن القائم بين وجود الإنسان، وتكامل بعده اللغوي المتمثل في ضرورة سد الحاجة أولا وبالذات حيث يقول:«وذلك أنهم وزنوا حينئذ أحوالهم وعرفوا مصاير أمورهم ، فعلموا أنهم محتاجون إلى العبارة عن المعاني» (ابن جني الخصائص : 2/30).
اما ابن وهب الكاتب وفي سياق بحثه عن علة الحدث اللساني في الوجود، وأسرار الغايات التي يفضي إليها الكلام في الحياة البشرية، فقد أبرز جملة من العناصر التي تؤدي مقاصد الكلام وهي : عموم النفع و كمال النعمة وبلوغ الغاية وحصول المقصد. (ابن وهب الكاتب، البرهان في وجوه البيان: ص66 تحقيق أحمد مطلوب وخديجة الحديثي بغداد الطبعة الأولى 1967م).
وعلى هذا النمط من التحليل والاستدلال خلص عبد القاهر إلى نتيجة تجعل من الكلام المحرك لخروج كوامن الانسان وطاقاته من حيز القوة إلى حيز الفعل، إذ لولاه «لم تكن لتتعدى فوائد العلم عالمه، ولاصح من العاقل أن يفتت عن أزاهير العقل كمائمة، ولتعطلت قوى الخواطر والأفكار عن معانيها، واستوت القضية في موجودها وفانيها… ولكان الإدراك كالذي ينافيه من الأضداد، ولبقيت القلوب مقفلة على ودائعها، والمعاني مسجونة في مواضعها، ولصارت القرائح عن تصرفها معقولة والأذهان عن سلطانها معزولة» عبد القاهرالجرجاني، أسرار البلاغة: ص1 تصحيح محمد عبده طبعة المنار القاهرة.
إن المنهج اللغوي الذي ذكرنا بعض ملامحه عند علماء المسلمين، يعتبر خلاصة تجربة عميقة ظلت خلالها أجيال الباحثين المخلصين ينقبون للتعرف على مقاصد الكلام وفضله وأبعاده، وهم يدركون أن البحث في أسرار اللسان العربي، هو بحث في السليقة اللغوية لهذه الأمة وهو في جوهره «دراسة لأسرار الإنسان، وتعرف على أخفى وأغمض ما يختلج في بواطنه من حس وشعور، وأن العناية بالأحوال والكيفيات والتراكيب ليست إلا بحثا في أسرار القلوب والعقول الماثلة في أسرار الكيفيات والتراكيب، وأن المعنى الخفي الغامض والمستكن وراء هذا الحال من أحوال اللفظ العربي، إنما هو تلك الإختلاجة الخفية والغامضة في باطن النفس التي ابدعت هذا التركيب» (محمد أبو موسى، دلالات التراكيب، دراسة بلاغية: ص 25، دار التضامن مكتبة وهبة، الطبعة الثانية 1408هـ – 1978م) وهو ما يحيلنا مباشرة إلى مشكل علاقة الإنسان باللغة في أصل اتصاله بها ثم في مدى انحصاره وعلى ضوء هذه الثوابت كان فهم علماء العرب للغة على مستوى التنظير فنزلوها على مقتضى حقيقتها في مستوى التطبيق كما اتضح من خلال دراستهم لها.

مصطلحات ومفاهيم ومصادر

بقلم الأستاذ إدريس ميموني
1 ) النـــحو:
النحو لغة «القصد والطريق، يقال نحا نحوه، أي قصد قصده. ونحا بصره إليه من باب صرف، وبابهما عدا. وأنحى بصره عنه عدله. و نحاه عن موضعه فتنحى. والنحو إعراب الكلام العربي، والنحو بالكسر زق شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيلللسمن والجمع أنحاء. و الناحية واحدة النواحي» مختار الصحاح، مادة (ن ح و) 1 / 271.
النحو اصطلاحا : « انتحاء سمت كلام العرب ، في تصرفه من إعراب وغيره، كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير، والإضافة وغير ذلك ليلحق من ليس من أهل العربية بأهلها في الفصاحة، وأصله مصدر نحوت، بمعنى قصدت، ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم» ابن جني الخصائص: 1/ 34.
أهم المصادر النحوية:
- الكتاب، سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر 180 هـ).
- المقتضب، المبرد (أبو العباس محمد بن يزيد 285 هـ).
- شرح المفصل، ابن يعيش، (موفق الدين يعيش بن علي 643 هـ).
- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ابن هشام، (أبو محمد جمال الدين عبد اله بن يوسف الأنصاري 761 هـ).
- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، ابن عقيل (بهاء الدين بن عقيل 769 هـ) .
- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام، (أبو محمد جمال الدين عبد اله بن يوسف الأنصاري 761 هـ).
- الإنصاف في مسائل الخلاف، ابن الأنبا ري. (عبد الرحمان بن محمد أبو البركات كمال الدين 577 هـ)
- لمع الأدلة في أصول النحو، ابن الأنبا ري. (عبد الرحمان بن محمد أبو البركات كمال الدين 577 هـ).
- شرح قطر الندى وبل الصدى، ابن هشام (أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف الأنصاري 761 هـ).
- شرح الكافية، الأستراباذي (رضي الدين محمد بن الحسن النحوي 646 هـ).
- همع الهوامع، السيوطي جلال الدين (جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمان بن أبي بكر 911 هـ).
2)- التصريف:
التصريف ويقال له الصرف وهو لغة التغيير، ومنه تصريف الرياح، وهو صرفها من جهة إلى أخرى، وتحويلها من حال إلى حال، وتصريف الكلام والحديث، تغييره بحمله على غير الظاهر. ابن منظور لسان العرب مادة (ص رف).
التصريف اصطلاحا: « علم يبحث فيه عن الأعراض الذاتية لمفردات الكلام العرب من حيث صورها وهيئاتها كالإعلال والإدغام، أي المفردات والهيئات التغييرية كبيان هيئة المعتلات قبل الإعلال وبعد الإعلال، وكيفية تغييرها عن هيئاتها الأصلية على الوجه الكلي بالمقاييس الكلية، كصيغ الماضي والمضارع ومعانيهما ومدلولاتهما، وموضوعه الصيغ المخصوصة من الحيثية المذكورة. وغرضها تحصيل ملكة يعرف بها ما ذكر من الأحوال. وغايته الاحتراز عن الخطأ من تلك الجهات، ومبادئه مقدمات مستنبطة من تتبع استعمال العرب. وأول من دون علم التصريف أبو عثمان المازني، وكان قبل ذلك مندرجا في علم النحو ذكره أبو الخير، وكتب التصريف كثيرة معظمها ما ذكرناه في هذا المحل» كشف الظنون ج: 1 ص: 412.
والتصريف عند الأستراباذي «علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب» الشافية ج: 1 ص:6.
وهو عند « تغيير حروف الكلمة الأصول بزيادة أو نقصان أو إبدال للمعاني المطلوبة منها، وهذا يتعلق بحد الاشتقاق. وقد قال الرماني الاشتقاق اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه الأصل، وهذا يحصل منه معنى الاشتقاق وليس بحد حقيقي. وأما فائدة التصريف فحصول المعاني المختلفة المتشعبة عن معنى واحد، والعلم به أهم من معرفة النحو في تعرف اللغة، لأن التصريف نظر في ذات الكلمة، والنحو نظر في عوارض الكلمة». اللباب في علل البناء والإعراب ج: 2 ص: 219.
أهم المصادر الصرفية.
- شرح الشافية: الأستراباذي (رضي الدين محمد بن الحسن النحوي 646 هـ).
- الممتع في التصريف: ابن عصفور (أبو الحسن علي بن مؤمن بن محمد الحضرمي الاشبيلي 669هـ ).
- التصريف الملوكي: ابن جني (أبو الفتح عثمان بن جني المتوفى 392 هـ).
- المنصف في شرح كتاب التصريف للمازني: ابن جني (أبو الفتح عثمان بن جني المتوفى 392 هـ).
- سر صناعة الإعراب: ابن جني (أبو الفتح عثمان بن جني المتوفى 392 هـ).
- شرح التصريف الملوكي: ابن يعيش (موفق الدين يعيش بن علي 643 هـ).
3) فقه اللغة:
كلمة فقه لغة: تعني كلمة فقه في المعاجم العربية، علم وأحسن الإدراك. يقول ابن فارس « تقول فقهت الحديث أفقهه، وكل علم بشيء فهو فقه، يقولون لا يفقه ولا ينقه...وأفقهتك الشيء إذا بينته لك» مادة (ف ق ه).
وجاء في لسان العرب لابن منظور مادة (ف ق ه) « الفقه العلم بالشيء والفهم له ...وفقه فقها بمعنى علم علما... وفقه عنه بالكسر فهم، والفقه الفطنة».
ومثل ذلك في القاموس المحيط «الفقه بالكسر العلم بالشيء والفهم له والفطنة...وفقه ككرم فهو فقيه...وفاقهه باحثه في العلم، ففقهه كنصرهن غلب عليه».
أما فقه اللغة من الناحية الاصطلاحية فلم يتفق القدماء على إفرادها بمدلول خاص، وإنما نجدها في تعابير الكتاب والمؤلفين على سبيل الاختيار لا على وجه التعيين. ويحدثنا الثعالبي بأن كتابه (فقه اللغة) إنما تسمى بهذا الاسم وفقا لاختيار الأمير عبيد الله بن أحمد الميكالي الذي أهداه إليه فدل ذلك على أن المنحى الذي سلكه في تأليفه لم يكن جريا على خطة اتفق عليها الباحثون في ذلك الحين.
وفي التعريفات للجرجاني «هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، وقيل هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به الحكم، وهو علم مستنبط بالرأي والاجتهاد ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل».
بعد هذه التعريفات اللغوية والاصطلاحية نستطيع أن نقول إن فقه اللغة «منهج للبحث استقرائي وصفي يعرف به موطن اللغة الأول وفصيلتها، وعلاقتها باللغات المجاورة أو البعيدة، الشقيقة أو الأجنبية، وخصائص أصواتها، وأبنية مفرداتها وتراكيبها وعناصر لهجاتها، وتطور دلالتها، ومدى نمائها قراءة وكتابة» صبحي الصالح دراسات، في فقه اللغة: 21-22.
إن البحوث المذكورة في التعريف السابق تتعلق بعلوم ثلاثة:
أ - التاريخ لمعرفة موطن اللغة وروابط القربى بينها وبين اللغات الإنسانية الأخرى، وتنوع لهجاتها، وتطور خطها وكتابتها.
ب - علم الأصوات لبحث لهجات اللغة وأصواتها، ومعرفة أنواع التطور الصوتي فيها.
ج - علم الدلالة لبحث تطور ألفاظها وما تفيده من المعاني.
أهم مصادر فقه اللغة:
- الخصائص، ابن جني (أبو الفتح عثمان بن جني المتوفى 392 هـ).
- الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، ابن فارس (أبو الحسين أحمد بن فارس 395 هـ).
- فقه اللغة وأسرار العربية، الثعالبي (أبو منصور عبد الله أو عبد الملك بن محمد 429 هـ) .
- المخصص، ابن سيدة (أبو الحسن بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي 458 هـ).
- المعرب من الكلام الأعجمي، الجوالقي (أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد 539 هـ).
- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي (جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمان بن أبي بكر 911 هـ).
- شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل(شهاب الدين الخفاجي)
4) البلاغة:
وردت كلمة البلاغة في المعاجم العربية بمعنى الوصول والإيصال والانتهاء والكفاية والاجتهاد في المر والإدراك والنضج والجودة والنفاذ والتأكيد والفصاحة والبيان. ابن منظور لسان العرب مادة (ب ل غ) و(ب ي ن) و(ف ص ح).
البلاغة اصطلاحا، وصول معاني المتكلم إلى السامعين بكلام فصيح حسن الوقع في النفوس مطابق للمقام. يقول عبد العزيز الجرجاني في التعريفات، مادة (ب ل غ): « البلاغة في المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ، فعلم أن كل بليغ كلاما كان أو متكلما فصيح. لأن الفصاحة مأخوذة من في تعريف البلاغة، وليس كل فصيح بليغا». وقال أيضا: «البلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال، المراد بالحال الأمر الداعي إلى المتكلم على وجه مخصوص مع فصاحته، أي فصاحة الكلام، وقيل البلاغة تنبئ عن الوصول والانتهاء بها الكلام والمتكلم فقط دون المفرد».
أهم المصادر البلاغية:
- البيان والتبيين، الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر 255 هـ).
- الحيوان، الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر 255 هـ)..
- دلائل الإعجاز الجرجاني (أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمان بن محمد، 471 هـ).
- أسرار البلاغة الجرجاني (أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمان بن محمد، ت. 471 هـ).
- مفتاح العلوم، السكاكي (أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي 626 هـ ).
- الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني (جلال الدين محمد بن عبد الرحمان 739 هـ).
- التلخيص في علوم البلاغة، القزويني (جلال الدين محمد بن عبد الرحمان 739 هـ).
- سر الفصاحة، ابن سنان الخفاجي (عبد الله بن محمد بن سعيد 466 هـ).
- تلخيص البيان في مجازات القرآن، الشريف الرضي (أبو الحسن محمد بن الحسين 406).
- الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق القرآن (يحيى بن حمزة العلوي 749 هـ).

القياس في أصول النحو

بقلم الأستاذ: إدريس ميموني
تقـديم
يعرف القياس عند النحاة ، كما يعرف عند الأصوليين بأنه « حمل غير المنقول على المنقول، في حكم، لعلة جامعة » الاقتراح ـ للسيوطي ـ : 70 وربما فضل الأصوليون أن يقولوا : « حمل غير المنصوص على المنصوص . . . » أو : « حمل فرع على أصل في حكم ، بجامع بينهما » روضة الناظر ـ لابن قدامة أو ما يشبه ذلك مما يتضمن أركانه الأربعة : الأصل، والفرع، والحكم، والعلة المشتركة. ولكن هذه التعريفات عند كل من النحاة والأصوليين متأخرة جدا عن نشأة القياس عندهما، وهذا أمر طبيعي خاضع لقانون التطور في أي فن من الفنون.
إن الكلام عن السماع يقودنا للحديث عن القياس إذ على المسموع يكون القياس. ومعناه في اللغة التقدير، يقال:" قست الشيء بغيره وعلى غيره أقيس قياسا فانقاس إذا قدرته على مثاله" (لسان العرب، مادة، قيس). وفيه أيضا "اقتاس الشيء وقيسه إذا قدره على مثاله، وقايست بين الشيئين إذا قادرت بينهما" وقاس الشيء بغيره وعليه وإليه. وقد ساق النحاة للقياس تعريفات كثيرة منها التقدير، يقول السيوطي " العرب قد تنطق بجمع لم يأت واحده فهي تقدره وإن لم يسمع"(الأشباه والنظائر،3/207) ويقال،"قست النعل بالنعل، إذا قدرته وسويته، وهو عبارة عن رد الشيء إلى نظيره" (التعريفات، مادة: قيس).
ويقول ابن الأنبا ري: هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه...وهو معظم أدلة النحو والمعول في غالب مسائله عليه كما قيل:
إنما النحو قياس يتبع *** وبه في كل علم ينتفع
وقد قيل في حده أيضا إنه علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب، وقال صاحب المستوفى" كل علم فبعضه مأخوذ بالسماع والنصوص وبعضه بالاستنباط والقياس، وبعضه بالانتزاع من علم آخر"( الاقتراح، ص:70).
والقياس عند بعض الباحثين المحدثين يطلق "على العملية التي يخلق بها الذهن صيغة أو كلمة أو تركيبا تبعا لنموذج معروف"( فندريس، اللغة، ص:205) وهذا لا يختلف في فحواه عما سبقه. فهذه كلها تعريفات متقاربة فيما يختص بجعل المسموع أصلا وأساسا يقاس عليه ما يجد من ألفاظ اللغة وصيغها.
والناظر في تلك التعريفات يجد تناسبا واضحا بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للقياس يظهر ذلك في اشتراكهما في التقدير، وقد لخص ذلك بعض الباحثين المحدثين في استنتاجه من بعض التعريفات التي أشير إليها باعتبار أن المعنى اللغوي كان أساسا للمعنى الاصطلاحي.
والقياس ركن ركين في النحو واللغة، فهم يعرفون النحو بأنه "علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكامه التي ائتلف منها"( الاقتراح، ص:23).
1 - مفهوم القياس
يفهم القياس من قول ابن الأنباري أعلاه حين قال: " إعلم أن القياس في وضع اللسان بمعنى التقدير، وهو مصدر قايست الشيء بالشيء مقايسة وقياساً: قدّرته، ومنه المقياس أي المقدار، وقَيْسَ رمح أي قَدْرَ رمح " لمع الأدلة:ص:93.
أما القياس في الاصطلاح، فمفهوم شامل يدل على مفهومات متعددة، فمنه" قياس الاستعمال" أو " القياس اللغوي " و " القياس النحوي" و "القياس المنطقي"، والذي يهمنا هنا هو النوع الأول والثاني:
- أما القياس الأول فيقوم به المتكلم.
- وأما الثاني فيقوم به الباحث. وإذا كان القياس الأول هو "قياس الأنماط " فالثاني هو " قياس الأحكام"، وإذا كان الأول هو " الانتماء " فإن الثاني هو "النحو"، ولعل الذي دعا ابن سلام إلى وصف الحضرمي بأنه "مد القياس " (طبقات فحول الشعراء (المقدمة)) هو معرفته أن الحضرمي قد حول النحو من طابع الانتماء التطبيقي الذي رسمـه علي بـن أبي طالب بقوله : " انح هذا النحو يا أبا الأسود " إلى الطابع النظري الذي يتسم بقياس حكم غير المسموع على حكم المسموع الذي في معناه.
فلا بد لنا إذن أن نفرق بين هذين النوعين من القياس، " فالقياس اللغوي هو مقارنة كلمات بكلمات أو صيغ بصيغ أو استعمال باستعمال، رغبة في التوسع اللغوي، وحرصاً على اطراد الظواهر اللغوية" (من أسرار اللغة، إبراهيم أنيس، ص: 9) وهذا القياس يقوم به المتكلم - كما قلنا - وهو الذي يلجأ إليه الأطفال عندما يقيسون ما لم يسمعوه من جمل أو صيغ على ما سمعوه من قبل، وقد يحدث أن يخطئ الأطفال عندما يقيسون ما لم يسمعوه من جمل أو صيغ على ما سمعوه من قبل، يحدث هذا في مرحلة اكتساب اللغة، وهي مرحلة مبكرة جداً من عمر الإنسان، وقد يحدث أن يخطئ الطفل في قياسه، وهنا يبرز دور الأسرة في إرشاده إلى الاستعمال الصحيح، فالطفل يسمع مثلاً: كبير وكبيرة، وصغير وصغيرة، وطويل وطويلة، فيظن أن الفرق بين المذكر والمؤنث ينحصر في " تاء التأنيث " فحسب، لذا يقيس على هذه الكلمات التي سمعها ما لم يسمعه فيقول: أحمر وأحمرة، وأعرج وأعرجة، وهذا ما يعرف بالقياس الخاطئ.
ويستمر هذا القياس مع أبناء اللغة في مراحله المختلفة، فالكبير أيضاً يستخدم القياس فيقيس ما لم يسمعه من قبل على ما لديه من مخزون لغوي، فليس من المعقول أن يكون قد سمع كل الصيغ والجمل وطرق صياغتها وكذا الأسلوب، لذا نراه يلجأ دائماً إلى القياس، وقد يحدث أن يخطئ أيضاً في قياسه.
ولا شك أن العرب قد لجأت في كلامها إلى القياس،و كذلك ما تفعله المجامع اللغوية الآن من صياغة الجديد من المصطلحات والألفاظ قياساً على طرق الصياغة العربية - لهو نفسه "القياس الاستعمالي"،وذلك لمسايرة التقدم الحضاري وما يصاحبه من ضرورة صياغة الجديد من الألفاظ والمصطلحات للاكتشافات والعلوم الجديدة التي لم تكن معروفة في أصل هذه اللغة.
ويرى تمام حسان في كتابه ( اللغة بين المعيلرية والوصفية، ص:31 وما بعدها) أن أساليب الأدباء تجري على نوع من صوغ القياس (ويقصد به القياس الاستعمالي) فالمرء يكوّن أسلوبه بطريق القراءة وحفظ النصوص الأدبية ثم الكتابة مع محاولة تقليد ما قرأ وما حفظ، وبعد هذا الجهد يعجب المرء بطرق خاصة في رصف الجملة، وفي اختيار المفردات، بل وفي اختيار الزاوية التي ينظر فيها إلى الموضوع كذلك، عندئذ يبدأ في صياغة أسلوبه قياساً على هذه المثل الجمالية التعبيرية التي كونها لنفسه واختزنها في جهازه العصبي، ولكن أسلوب المرء لا يأتي والحالة هذه مطابقاً لأي أسلوب معين من الأساليب التي قرأها وحفظها، بـل يكون كنتيجة التفاعل الكيميائي بين مادتين مختلفتين، حيث تكّون هذه النتيجة مادة ثالثة، ليس لها صفات أيّ من هاتين المادتين.
فهذا النوع من القياس هو ما يقصده ابن جنى بقوله:"ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب "(الخصائص 1/357)وهو ما يقصده السيوطي عندما ينقل عن ابن الأنباري قوله: "اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق لأن النحو كله قياس ولهذا قيل في حده: النحو: علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو، ولا يُعْلَم أحد من العلماء أنكره، لثبوته بالدلالة القاطعة، وذلك أنا أجمعنا على أنه إذا قال العربي: " كتب زيد " فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى يصح منه الكتابة، نحو: " عمرو" و"بشر"و " أزدشير" إلى ما لا يدخل تحت الحصر، وإثبات ما لا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال، وكذلك القول في سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال الرافعة، والناصبة، والجارة ، والجازمة ، ... فلو لم يجز القياس، واقتصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل، وذلك مناف لحكمة الوضع، فوجب أن يوضع وضعاً قياسياً عقلياً لا نقلياً.. الاقتراح السيوطي، ص: 71.
- أما النوع الثاني من القياس فهو "القياس النحوي " أو "قياس الأحكام "، وهذا النوع يقوم به الباحث ويعرّفه النحاة بأنه( الاقتراح، ص: 70) "حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه"، أو " هو قياس حكم شيء على حكم شيء آخر لسبب يوردونه.."، أو بعبارة أخرى " حمل غير المنقول على المنقول فـي حكم لعلة جامعة"، "أو حمل فرع على أصل لعلة وإجراء حكم الأصل على الفرع" أو "إلحاق الفرع بالأصل بجامع"، وهذا القياس هو المقابل النظري للقياس الاستعمالي، فإذا كان ما يرمي إليه القياس الاستعمالي " هو الصوغ العملي فإن ما يرمي إليه القياس النحوي هو الحمل النظري ويجب أن يكون الموقف من القياس النحوي منطلقاً من اللغة نفسها، ولا يحكم بمعايير غير لغوية في قياسه، وهذا ما حدث بالفعل في القرنين الأول والثاني الهجريين، ثم تحول موقف الباحث حيث بدأ يحكم معايير غير لغوية - وخاصة المنطقية منها - في دراسة اللغة.
2 - وظيفة القياس:
لقد كان للقياس في تاريخ النحو العربي ثلاث وظائف لم يتحدث عنها النحاة القدماء ولكنها تستنبط من كلامهم وألوان أقيستهم وهي: الاستنباط والتعليل والرفض.
أ- استنباط قاعدة:
أول وظائف القياس أن يكون وسيلة ذهنية لاستنباط قاعدة ومن أمثلة هذا النحو ما يلي:
قاس النحاة (لا رجل) على (خمسة عشر) وأعطوها حكمها في البناء على الفتح على الشكل التالي:
أصل (خمسة عشر) هو (خمسة وعشرة) لأن معنى الجمع واضح فيها، غير أن الواو حذف لفظان وبقي معناها، وركب الجزءان تركيبا مجزيا، وأدى ذلك إلى حذف علامة التأنيث من الجزء الثاني اكتفاء بها في الجزء الأول، هذا هو الأصل، والفرع الذي قيس عليه مثله، لأن أصل (لا رجل) هو (لا من رجل) فـ (من) زائدة تفيد استغراق النفي ولكنها حذفت لفظا كما حذفت الواو في الأصل وبقي معناها وركبت (لا) مع رجل كما ركبت (خمسة) مع (عشرة).
ويتضح من هذا أن المقيس عليه ذو حكم ثابت مستقر. وأن المقيس بحاجة إلى حكم، ففي هذه المسألة نجد أن اسم (لا) النافية للجنس مقترنا بالفتح، ولا يعلم أللإعراب هي أم للبناء؟ فلما جرى القياس على (خمسة عشر) علم على أنها حركة بناء لا حركة إعراب.
ب - تعليل ظاهرة:
ومما استعمل فيه القياس لتعليل ظاهرة لغوية، ما نجده من قياس الكسائي (رضي) على (سخط) وتفصيل ذلك أنه نقل بيتا من الشعر هو:
إذا رضيت علي بنو قشير +++ لعمر الله أعجبني رضاها
فالشاعر هنا عدى الفعل (رضي) بالحرف على وهو إنما يعدى في الكلام الفصيح بالحرف عن، فيقال رضيت عنه، ويقال في الدعاء رضي الله عنه، فعلله الكسائي بأن الشيء قد يقاس على ضده وضد (رضي) (سخط) ويعدى بحرف على فلما قيس عليه أخذ حكمه عند الشاعر.
ج - رفض ظاهرة:
كثيرا ما يكون القياس وسيلة لرفض ظاهرة قال بها بعض النحاة، من ذلك مثلا أن نحاة الكوفة يجعلون لام التعليل هي الناصبة للفعل المضارع في مثل (قعدت لأستريح) فرفض البصريون ذلك لأن القياس يمنعه، فلام التعليل مقيسة على الحروف المختصة بالأسماء مثل من وعلى وعن والباء...وهذه الحروف لا تنصب الفعل المضارع، وكذلك لام التعليل.
وهكذا نلاحظ بأن النحاة يوظفون القياس كأساس قوي إما في تفسير ظواهر نحوية لتكون جلية. وإما في استنباط قاعدة نحوية كلية لتكون في الشق العربي، وإما في رفض ظاهرة نحوية قد أقر بها بعض النحاة الآخرين.
3 - أنواع القياس:
القياس النحوي ثلاثة أنواع: قياس علة وقياس طرد وقياس شبه، ذلك أن القياس إما أن تراعى في العلة، وإما أن لا تراعى. فإذا لم تراع فيه العلة سمي ( قياس الشبه) وذلك كإعراب المضارع لشبهه باسم الفاعل دون علة تذكر، إلا مجرد هذا الشبه ( وهو شبه بين الفعل واسم الفاعل الذي من مادته في مطلق الحركات والسكنات وفي تعاقب المعاني عليه).
أما إذا روعيت العلة، فإما أن تكون مناسبة أو غير مناسبة.
فإذا كانت العلة مناسبة سمي القياس (قياس العلة) ويلزم حينئذ أن يكون هناك أصل وفرع وعلة وحكم، ومثال قياس العلة قياس رفع نائب الفاعل قياساً على الفاعل بعلة الإسناد في كل منهما وهي مناسبة لإجراء هذا القياس.
وإذا كانت العلة غير مناسبة سمي القياس، (قياس الطرد) مثل قول النحاة إن (ليس) مبنية لاطراد البناء في كل فعل غير متصرف وهذه العلة غير مناسبة. والعلة المناسبة التي يمكن أن تساق في هذا المقام، أن الأصل في الأفعال البناء. والقياس على الأصل علة مقبولة. وفي الحقيقة هذا التقسيم السابق للقياس النحوي إنما هو تقسيم عقلي محض، وبخاصة إذا علمنا أن أركان القياس الأساسية موجودة في جميع هذه الأنواع وخاصة العلة التي بني على أساسها هذا التقسيم ، فأركان القياس متوفرة في قياس الشبه وهي أربعة: أصل وفرع وحكم وعلة فالأصل هو اسم الفاعل ، والمضارع هو الفرع ، والحكم هو الإعراب ، وشبه الفرع بالأصل هي العلة. أو ليست اللام في قول الباحث" لشبهه باسم الفاعل " هي لام التعليل ؟ والنوع الثالث وهو ما سماه ابن الأنباري " قياس الطرد " فتتوفر فيه الأركان الأربعة كذلك ، وهي : أصل وفرع وحكم وعلة .
ولابد لكي يتم القياس وفق شروط مقبولة من توفره على جملة أركان حددها النحاة كما يلي:
4- أركان القياس:
للقياس- كما يتضح من تعريفه- أربعة أركان، وهي:
أ - الأصل: وهو المقيس عليه.
ب - الفرع: وهو المقيس.
ج – الحكم:
د - الجامع: وهو الشبه أو العلة التي تتحقق في المقيس والمقيس عليه.
يقول السيوطي: "القياس أربعة أركان: أصل وهو المقيس عليه، وفرع وهو المقيس، وحكم، وعلة جامعة".
(ينظر في شروط أركان القياس في كتاب الاقتراح للسيوطي من ص: 71 إلى ص:112.)

ابحث

ندوة البحث العلمي الجامعي وتحديات التنمية الجهوية بكلية الآداب ببني ملال

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Google
دليل العرب الشامل الجزيرة نت سوالف المنتديات

محرك جوجل

محركات للبحث