أهداف منتدى اللسان العربي والخطاب الشرعي: تقديم خدمات متنوعة للطلبة، محركات بحث كثيرة، أخبار العالم من خلال أغلب الجرائد العربية الناجحة، مقالات علمية، مواقع للبحث العلمي، أخبار متنوعة من قنوات عالمية،موسوعات، فهارس خزانة كلية الآداب بني ملال المغرب...إضافة إلى خدمات أخرى ...

الأحد، 20 أبريل 2008

القياس في أصول النحو

بقلم الأستاذ: إدريس ميموني
تقـديم
يعرف القياس عند النحاة ، كما يعرف عند الأصوليين بأنه « حمل غير المنقول على المنقول، في حكم، لعلة جامعة » الاقتراح ـ للسيوطي ـ : 70 وربما فضل الأصوليون أن يقولوا : « حمل غير المنصوص على المنصوص . . . » أو : « حمل فرع على أصل في حكم ، بجامع بينهما » روضة الناظر ـ لابن قدامة أو ما يشبه ذلك مما يتضمن أركانه الأربعة : الأصل، والفرع، والحكم، والعلة المشتركة. ولكن هذه التعريفات عند كل من النحاة والأصوليين متأخرة جدا عن نشأة القياس عندهما، وهذا أمر طبيعي خاضع لقانون التطور في أي فن من الفنون.
إن الكلام عن السماع يقودنا للحديث عن القياس إذ على المسموع يكون القياس. ومعناه في اللغة التقدير، يقال:" قست الشيء بغيره وعلى غيره أقيس قياسا فانقاس إذا قدرته على مثاله" (لسان العرب، مادة، قيس). وفيه أيضا "اقتاس الشيء وقيسه إذا قدره على مثاله، وقايست بين الشيئين إذا قادرت بينهما" وقاس الشيء بغيره وعليه وإليه. وقد ساق النحاة للقياس تعريفات كثيرة منها التقدير، يقول السيوطي " العرب قد تنطق بجمع لم يأت واحده فهي تقدره وإن لم يسمع"(الأشباه والنظائر،3/207) ويقال،"قست النعل بالنعل، إذا قدرته وسويته، وهو عبارة عن رد الشيء إلى نظيره" (التعريفات، مادة: قيس).
ويقول ابن الأنبا ري: هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه...وهو معظم أدلة النحو والمعول في غالب مسائله عليه كما قيل:
إنما النحو قياس يتبع *** وبه في كل علم ينتفع
وقد قيل في حده أيضا إنه علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب، وقال صاحب المستوفى" كل علم فبعضه مأخوذ بالسماع والنصوص وبعضه بالاستنباط والقياس، وبعضه بالانتزاع من علم آخر"( الاقتراح، ص:70).
والقياس عند بعض الباحثين المحدثين يطلق "على العملية التي يخلق بها الذهن صيغة أو كلمة أو تركيبا تبعا لنموذج معروف"( فندريس، اللغة، ص:205) وهذا لا يختلف في فحواه عما سبقه. فهذه كلها تعريفات متقاربة فيما يختص بجعل المسموع أصلا وأساسا يقاس عليه ما يجد من ألفاظ اللغة وصيغها.
والناظر في تلك التعريفات يجد تناسبا واضحا بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للقياس يظهر ذلك في اشتراكهما في التقدير، وقد لخص ذلك بعض الباحثين المحدثين في استنتاجه من بعض التعريفات التي أشير إليها باعتبار أن المعنى اللغوي كان أساسا للمعنى الاصطلاحي.
والقياس ركن ركين في النحو واللغة، فهم يعرفون النحو بأنه "علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكامه التي ائتلف منها"( الاقتراح، ص:23).
1 - مفهوم القياس
يفهم القياس من قول ابن الأنباري أعلاه حين قال: " إعلم أن القياس في وضع اللسان بمعنى التقدير، وهو مصدر قايست الشيء بالشيء مقايسة وقياساً: قدّرته، ومنه المقياس أي المقدار، وقَيْسَ رمح أي قَدْرَ رمح " لمع الأدلة:ص:93.
أما القياس في الاصطلاح، فمفهوم شامل يدل على مفهومات متعددة، فمنه" قياس الاستعمال" أو " القياس اللغوي " و " القياس النحوي" و "القياس المنطقي"، والذي يهمنا هنا هو النوع الأول والثاني:
- أما القياس الأول فيقوم به المتكلم.
- وأما الثاني فيقوم به الباحث. وإذا كان القياس الأول هو "قياس الأنماط " فالثاني هو " قياس الأحكام"، وإذا كان الأول هو " الانتماء " فإن الثاني هو "النحو"، ولعل الذي دعا ابن سلام إلى وصف الحضرمي بأنه "مد القياس " (طبقات فحول الشعراء (المقدمة)) هو معرفته أن الحضرمي قد حول النحو من طابع الانتماء التطبيقي الذي رسمـه علي بـن أبي طالب بقوله : " انح هذا النحو يا أبا الأسود " إلى الطابع النظري الذي يتسم بقياس حكم غير المسموع على حكم المسموع الذي في معناه.
فلا بد لنا إذن أن نفرق بين هذين النوعين من القياس، " فالقياس اللغوي هو مقارنة كلمات بكلمات أو صيغ بصيغ أو استعمال باستعمال، رغبة في التوسع اللغوي، وحرصاً على اطراد الظواهر اللغوية" (من أسرار اللغة، إبراهيم أنيس، ص: 9) وهذا القياس يقوم به المتكلم - كما قلنا - وهو الذي يلجأ إليه الأطفال عندما يقيسون ما لم يسمعوه من جمل أو صيغ على ما سمعوه من قبل، وقد يحدث أن يخطئ الأطفال عندما يقيسون ما لم يسمعوه من جمل أو صيغ على ما سمعوه من قبل، يحدث هذا في مرحلة اكتساب اللغة، وهي مرحلة مبكرة جداً من عمر الإنسان، وقد يحدث أن يخطئ الطفل في قياسه، وهنا يبرز دور الأسرة في إرشاده إلى الاستعمال الصحيح، فالطفل يسمع مثلاً: كبير وكبيرة، وصغير وصغيرة، وطويل وطويلة، فيظن أن الفرق بين المذكر والمؤنث ينحصر في " تاء التأنيث " فحسب، لذا يقيس على هذه الكلمات التي سمعها ما لم يسمعه فيقول: أحمر وأحمرة، وأعرج وأعرجة، وهذا ما يعرف بالقياس الخاطئ.
ويستمر هذا القياس مع أبناء اللغة في مراحله المختلفة، فالكبير أيضاً يستخدم القياس فيقيس ما لم يسمعه من قبل على ما لديه من مخزون لغوي، فليس من المعقول أن يكون قد سمع كل الصيغ والجمل وطرق صياغتها وكذا الأسلوب، لذا نراه يلجأ دائماً إلى القياس، وقد يحدث أن يخطئ أيضاً في قياسه.
ولا شك أن العرب قد لجأت في كلامها إلى القياس،و كذلك ما تفعله المجامع اللغوية الآن من صياغة الجديد من المصطلحات والألفاظ قياساً على طرق الصياغة العربية - لهو نفسه "القياس الاستعمالي"،وذلك لمسايرة التقدم الحضاري وما يصاحبه من ضرورة صياغة الجديد من الألفاظ والمصطلحات للاكتشافات والعلوم الجديدة التي لم تكن معروفة في أصل هذه اللغة.
ويرى تمام حسان في كتابه ( اللغة بين المعيلرية والوصفية، ص:31 وما بعدها) أن أساليب الأدباء تجري على نوع من صوغ القياس (ويقصد به القياس الاستعمالي) فالمرء يكوّن أسلوبه بطريق القراءة وحفظ النصوص الأدبية ثم الكتابة مع محاولة تقليد ما قرأ وما حفظ، وبعد هذا الجهد يعجب المرء بطرق خاصة في رصف الجملة، وفي اختيار المفردات، بل وفي اختيار الزاوية التي ينظر فيها إلى الموضوع كذلك، عندئذ يبدأ في صياغة أسلوبه قياساً على هذه المثل الجمالية التعبيرية التي كونها لنفسه واختزنها في جهازه العصبي، ولكن أسلوب المرء لا يأتي والحالة هذه مطابقاً لأي أسلوب معين من الأساليب التي قرأها وحفظها، بـل يكون كنتيجة التفاعل الكيميائي بين مادتين مختلفتين، حيث تكّون هذه النتيجة مادة ثالثة، ليس لها صفات أيّ من هاتين المادتين.
فهذا النوع من القياس هو ما يقصده ابن جنى بقوله:"ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب "(الخصائص 1/357)وهو ما يقصده السيوطي عندما ينقل عن ابن الأنباري قوله: "اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق لأن النحو كله قياس ولهذا قيل في حده: النحو: علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو، ولا يُعْلَم أحد من العلماء أنكره، لثبوته بالدلالة القاطعة، وذلك أنا أجمعنا على أنه إذا قال العربي: " كتب زيد " فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى يصح منه الكتابة، نحو: " عمرو" و"بشر"و " أزدشير" إلى ما لا يدخل تحت الحصر، وإثبات ما لا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال، وكذلك القول في سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال الرافعة، والناصبة، والجارة ، والجازمة ، ... فلو لم يجز القياس، واقتصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل، وذلك مناف لحكمة الوضع، فوجب أن يوضع وضعاً قياسياً عقلياً لا نقلياً.. الاقتراح السيوطي، ص: 71.
- أما النوع الثاني من القياس فهو "القياس النحوي " أو "قياس الأحكام "، وهذا النوع يقوم به الباحث ويعرّفه النحاة بأنه( الاقتراح، ص: 70) "حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه"، أو " هو قياس حكم شيء على حكم شيء آخر لسبب يوردونه.."، أو بعبارة أخرى " حمل غير المنقول على المنقول فـي حكم لعلة جامعة"، "أو حمل فرع على أصل لعلة وإجراء حكم الأصل على الفرع" أو "إلحاق الفرع بالأصل بجامع"، وهذا القياس هو المقابل النظري للقياس الاستعمالي، فإذا كان ما يرمي إليه القياس الاستعمالي " هو الصوغ العملي فإن ما يرمي إليه القياس النحوي هو الحمل النظري ويجب أن يكون الموقف من القياس النحوي منطلقاً من اللغة نفسها، ولا يحكم بمعايير غير لغوية في قياسه، وهذا ما حدث بالفعل في القرنين الأول والثاني الهجريين، ثم تحول موقف الباحث حيث بدأ يحكم معايير غير لغوية - وخاصة المنطقية منها - في دراسة اللغة.
2 - وظيفة القياس:
لقد كان للقياس في تاريخ النحو العربي ثلاث وظائف لم يتحدث عنها النحاة القدماء ولكنها تستنبط من كلامهم وألوان أقيستهم وهي: الاستنباط والتعليل والرفض.
أ- استنباط قاعدة:
أول وظائف القياس أن يكون وسيلة ذهنية لاستنباط قاعدة ومن أمثلة هذا النحو ما يلي:
قاس النحاة (لا رجل) على (خمسة عشر) وأعطوها حكمها في البناء على الفتح على الشكل التالي:
أصل (خمسة عشر) هو (خمسة وعشرة) لأن معنى الجمع واضح فيها، غير أن الواو حذف لفظان وبقي معناها، وركب الجزءان تركيبا مجزيا، وأدى ذلك إلى حذف علامة التأنيث من الجزء الثاني اكتفاء بها في الجزء الأول، هذا هو الأصل، والفرع الذي قيس عليه مثله، لأن أصل (لا رجل) هو (لا من رجل) فـ (من) زائدة تفيد استغراق النفي ولكنها حذفت لفظا كما حذفت الواو في الأصل وبقي معناها وركبت (لا) مع رجل كما ركبت (خمسة) مع (عشرة).
ويتضح من هذا أن المقيس عليه ذو حكم ثابت مستقر. وأن المقيس بحاجة إلى حكم، ففي هذه المسألة نجد أن اسم (لا) النافية للجنس مقترنا بالفتح، ولا يعلم أللإعراب هي أم للبناء؟ فلما جرى القياس على (خمسة عشر) علم على أنها حركة بناء لا حركة إعراب.
ب - تعليل ظاهرة:
ومما استعمل فيه القياس لتعليل ظاهرة لغوية، ما نجده من قياس الكسائي (رضي) على (سخط) وتفصيل ذلك أنه نقل بيتا من الشعر هو:
إذا رضيت علي بنو قشير +++ لعمر الله أعجبني رضاها
فالشاعر هنا عدى الفعل (رضي) بالحرف على وهو إنما يعدى في الكلام الفصيح بالحرف عن، فيقال رضيت عنه، ويقال في الدعاء رضي الله عنه، فعلله الكسائي بأن الشيء قد يقاس على ضده وضد (رضي) (سخط) ويعدى بحرف على فلما قيس عليه أخذ حكمه عند الشاعر.
ج - رفض ظاهرة:
كثيرا ما يكون القياس وسيلة لرفض ظاهرة قال بها بعض النحاة، من ذلك مثلا أن نحاة الكوفة يجعلون لام التعليل هي الناصبة للفعل المضارع في مثل (قعدت لأستريح) فرفض البصريون ذلك لأن القياس يمنعه، فلام التعليل مقيسة على الحروف المختصة بالأسماء مثل من وعلى وعن والباء...وهذه الحروف لا تنصب الفعل المضارع، وكذلك لام التعليل.
وهكذا نلاحظ بأن النحاة يوظفون القياس كأساس قوي إما في تفسير ظواهر نحوية لتكون جلية. وإما في استنباط قاعدة نحوية كلية لتكون في الشق العربي، وإما في رفض ظاهرة نحوية قد أقر بها بعض النحاة الآخرين.
3 - أنواع القياس:
القياس النحوي ثلاثة أنواع: قياس علة وقياس طرد وقياس شبه، ذلك أن القياس إما أن تراعى في العلة، وإما أن لا تراعى. فإذا لم تراع فيه العلة سمي ( قياس الشبه) وذلك كإعراب المضارع لشبهه باسم الفاعل دون علة تذكر، إلا مجرد هذا الشبه ( وهو شبه بين الفعل واسم الفاعل الذي من مادته في مطلق الحركات والسكنات وفي تعاقب المعاني عليه).
أما إذا روعيت العلة، فإما أن تكون مناسبة أو غير مناسبة.
فإذا كانت العلة مناسبة سمي القياس (قياس العلة) ويلزم حينئذ أن يكون هناك أصل وفرع وعلة وحكم، ومثال قياس العلة قياس رفع نائب الفاعل قياساً على الفاعل بعلة الإسناد في كل منهما وهي مناسبة لإجراء هذا القياس.
وإذا كانت العلة غير مناسبة سمي القياس، (قياس الطرد) مثل قول النحاة إن (ليس) مبنية لاطراد البناء في كل فعل غير متصرف وهذه العلة غير مناسبة. والعلة المناسبة التي يمكن أن تساق في هذا المقام، أن الأصل في الأفعال البناء. والقياس على الأصل علة مقبولة. وفي الحقيقة هذا التقسيم السابق للقياس النحوي إنما هو تقسيم عقلي محض، وبخاصة إذا علمنا أن أركان القياس الأساسية موجودة في جميع هذه الأنواع وخاصة العلة التي بني على أساسها هذا التقسيم ، فأركان القياس متوفرة في قياس الشبه وهي أربعة: أصل وفرع وحكم وعلة فالأصل هو اسم الفاعل ، والمضارع هو الفرع ، والحكم هو الإعراب ، وشبه الفرع بالأصل هي العلة. أو ليست اللام في قول الباحث" لشبهه باسم الفاعل " هي لام التعليل ؟ والنوع الثالث وهو ما سماه ابن الأنباري " قياس الطرد " فتتوفر فيه الأركان الأربعة كذلك ، وهي : أصل وفرع وحكم وعلة .
ولابد لكي يتم القياس وفق شروط مقبولة من توفره على جملة أركان حددها النحاة كما يلي:
4- أركان القياس:
للقياس- كما يتضح من تعريفه- أربعة أركان، وهي:
أ - الأصل: وهو المقيس عليه.
ب - الفرع: وهو المقيس.
ج – الحكم:
د - الجامع: وهو الشبه أو العلة التي تتحقق في المقيس والمقيس عليه.
يقول السيوطي: "القياس أربعة أركان: أصل وهو المقيس عليه، وفرع وهو المقيس، وحكم، وعلة جامعة".
(ينظر في شروط أركان القياس في كتاب الاقتراح للسيوطي من ص: 71 إلى ص:112.)

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

yo3tabaro mawki3 mazyan

ابحث

ندوة البحث العلمي الجامعي وتحديات التنمية الجهوية بكلية الآداب ببني ملال

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

47924
Google
دليل العرب الشامل الجزيرة نت سوالف المنتديات
شكرا على الزيارة ... عدد مرات زياراتك لموقعنا هو NaN مرة.

محرك جوجل

محركات للبحث