الأستاذ: إدريس ميموني*
تقديم:
من الحقائق المسلم بها في الدراسات اللغوية عند العرب أنها ارتبطت بالنص القرآني، فكان الاهتمام اللغوي يستهدف أساسا خدمة القرآن، حيث ظلت هذه الغاية المحدد الأساس لمسار المنهج اللغوي الذي جمع بين دراسة اللغة والقرآن، فتأثرت العلوم اللغوية بالعلوم الشرعية، كالفقه والحديث والتفسير والأصول والقراءات القرآنية. فلا نكاد نجد كتابا من الكتب اللغوية إلا وهو متأثر بهذه العلوم، كما لا نجد كتابا من كتب العلوم الشرعية، إلا وهو يشير إلى ما ينبغي أن يتوفر في طالب العلوم الشرعية، من امتلاك لأدوات الدرس اللغوي، المتمثل في علوم اللغة، وعلى رأسها النحو العربي، وخير شاهد على هذا الترابط جملة الكتب اللغوية التي ألفها اللغويون في مختلف القرون، ومن ضمنه الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس، والخصائص لابن جني، وفقه اللغة وسر العربية للثعالبي، والاقتراح في علم أصول النحو، والأشباه والنظائر، والمزهر، وكلها للسيوطي، والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري..الخ. فعناوين هذه الكتب دالة على مابين الدرس اللغوي والشرعي من تأثر كبير، تجلى في المصطلحات التي استعملها اللغويون في كتبهم من مثل الأصول، والفقه، والخلاف، والسنن، والأشباه والنظائر، وغيرها كثير جدا. وهي مصطلحات لعلوم شرعية نفذت مقدماتها في علوم اللغة، ونحن في هذه الدراسة سنتناول مبحثا لغويا له كبير صلة بعلمين شرعيين هما: علم الحديث وأصول الفقه، وكلاهما ألف فيه السيوطي مصنفا مازال يشهد بهاته العلاقة إلى يومنا هذا. أما الشق الأول من هذه الدراسة، فتتناول الرواية اللغوية، وأما الشق الثاني فله علاقة بأصل السماع وهو أحد أصول النحو المتضمن لمصادر اللغة العربية.
I - الرواية اللغوية:
1 الرواية لغة واصطلاحا:
الرواية بمدلولها العلمي الاصطلاحي، طور لغوي متأخر سبقه طور ذو دلالة مادية حسية، كانت في بدء أمرها محصورة فيما يتصل بالماء من إناء يحمل فيه كالمزادة، ومن حيوان يحمل عليه كالبعير، ومن إنسان يحمله مستقيا أو متعهدا دابة السقاية. يقول لبيد:
فتولهم فاترا مشيهم ٭٭٭ كروايا([1]) الطبع همت بالوحل
ثم أصبحت الرواية تطلق على مطلق الحمل، والرواية على الدابة التي تتخذ لحمل المتاع إطلاقا، ثم صارت الروايا تدل على السادة لأنهم يقومون بأعباء غيرهم ويحملون عنهم أثقالهم. قال رجل من بني تميم وقد ذكر قوما أغاروا عليهم "لقيناهم فقتلنا الروايا وأبحنا الزوايا" أي قتلنا السادة وأبحنا البيوت ([2])، ثم بعد ذلك دخلت هذه اللفظة ميدان النقل الشفهي فأطلقت على أخذ الشعر والحديث والقراءات واللغة لعلاقة النقل في كل([3]). يقول الأزهري " روى فلان حديثا أو شعرا يرويه رواية فهو راو، فإذا كثرت روايته قيل هو راوية" ([4]) ويقول ابن منظور في اللسان: " رويته الشعر تروية أي حملته على روايته وأرويته أيضا، وتقول أنشد القصيدة...ولا تقل اروها إلا أن تأمره بروايتها أي باستظهارها"([5]) ونقل عن الجوهري قوله "رويت الحديث والشعر فأنا راو في الماء والشعر، من قوم رواة"([6]).
أما الرواية في الاصطلاح فهي"جمع المادة اللغوية من الناطقين العرب"([7]) وهو ما عبر عنه بعضهم بأنه عملية جمع المادة اللغوية من أفواه العرب الفصحاء بالذهاب إليهم في بواديهم، أو بلقائهم في الحواضر ثم نقل ذلك إلى غيرهم.
2- السماع:
السماع في اللغة هو اسم ما استلذت الأذن من صوت حسن، وهو أيضا ما سمعت به فشاع وتكلم الناس به([8]).
وفي الاصطلاح هو "ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى وهو القرآن، وكلام نبيهr وكلام العرب قبل بعثته، وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظما ونثرا عن مسلم أو كافر، فهذه ثلاثة أنواع لابد في كل منها من الثبوت" ([9]).
وهذا الكلام فيه تفصيل نقف منه على أن الكلام العربي الفصيح هو المادة التي هي مناط السماع الذي يعتد به.
وبهذا يتضح أن السماع والرواية في الاصطلاح يدوران حول معنى واحد تقريبا، على الرغم من أن بعض الباحثين المحدثين يجعلون السماع في الاصطلاح مقصورا على الأخذ المباشر للمادة اللغوية من الناطقين بها، أما ما نقل عنهم بطريق غير مباشر فهو رواية. ([10]) .
وهكذا فإن كلا من الرواية والسماع، إنما هو نقل المادة اللغوية كما استعملها العرب الناطقون بها خدمة للغة والبحث اللغوي، سواء كان ذلك بمشافهة العرب أنفسهم، أم بالأخذ عمن سمع عنهم، والسماع طريق مهم اعتمد عليه اللغويون والنحاة القدماء من بصريين وكوفيين، وجعلوه أساسا استندوا إليه في تقعيد القواعد.
ولقد كان السماع الخطوة الأولى التي سبقت القياس، فقد اتفق العلماء والباحثون في مجال اللغة والنحو على أن السماع أصل والقياس قائم عليه، فبينهما علاقة قوية ورابطة وثيقة، فالأول أمد الآخر بالمادة اللغوية التي تمثل أحد أركانه الأساسية.
وقد عرف العلماء السماع بمفهومه العلمي في القرن الثاني الهجري، حين أخذ بعضهم يوسع في القياس على أساس من السماع.
والسماع في مجال اللغة وثيق الصلة بالرواية الأدبية، والنص القرآني وقراءاته، وكذا الحديث الشريف باعتبارها جميعا نصوصا يعتمد في نقلها على السماع والرواية اللذين عرفا بمعناهما العلمي في مجال اللغة- في مرحلة تالية للرواية في مظاهرها الأخرى. فالرواية الأدبية ترجع في نشأتها إلى العصر الجاهلي حيث كان الشعر محور السماع عند العرب، وكان أسلوبهم في روايته هو الاعتماد على المشافهة، وبذلك يتضح، أنه لا يوجد في العصر الجاهلي وأول العصر الإسلامي، من مظاهر الرواية غير الرواية الأدبية.
والرواية الأدبية لا تهمنا إلا من زاويتين:
أولها: تتمثل في أن رواة الأدب كانوا مقصدا من مقاصد النحاة واللغويين يسمعون منهم النصوص التي جعلوها أساسا لتقعيد قواعدهم.
وثانيها: أن المتجهين للسماع في اللغة أنفسهم نشأوا رواة للشعر في أول الأمر، حتى إننا نجد من الباحثين المحدثين من يقول بأن روايته كانت تمثل الجذور الأولى للرواية اللغوية. وقد بدا طلب العلم بصفة عامة في القرن الأول الهجري مرتبطا بالنص القرآني والقراءات والحديث الشريف، معتمدا على الرحلة قصد السماع الذي تعد المشافهة وسيلته الرئيسية كما هو معروف. فالصحابي الجليل أبو الدرداء وهو احد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبي r يقول "لو أعيتني آية من كتاب الله فلم أجد أحدا يفتحها علي إلا رجل ببرك الغماد لرحلت إليه". ولهذا نجد أن أوائل رواة اللغة جلهم من القراء، من أمثال يحيى بن يعمر (تـ 129هـ)، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (تـ 117هـ)، وعيسى بن عمر (تـ 149هـ) وأبي عمرو بن العلاء (تـ 154هـ)، ولما كان هذا شأنهم كان السماع في اللغة معتمدا في أول نشأته عليهم.
وكذلك كان الشأن بالنسبة لرواية الحديث الشريف التي بذلت منذ عهد الرسول r يقول عبد الله بن أبي مسعود "سمعت رسول الله ئ يقول : نضر الله وجه امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع"([11]) .
ونظرا لهذا الارتباط الوثيق، وكذا السبق في مجال أخذ القراءات والحديث، يذكر ابن الأنباري أن اللغويين اشترطوا في نقل اللغة بعض ما يشترط في نقل الحديث، وهو تأثر بأسلوب المحدثين، يدل عليه ما يسوقه هو نفسه، من أن النقل في اللغة ينقسم إلى متواتر وآحاد، ويعني بالمتواتر لغة القرآن، وما تواتر من السنة، وكلام العرب. وبالآحاد، ما تفرد بنقله بعض أهل اللغة وأهل الحديث.
وبذلك تكون رواية الأنساب والآداب والقراءات والحديث الشريف، جميعها أسبق من السماع في مجال اللغة، إذ لم يبدأ في اللغة بالمعنى الاصطلاحي، إلا في القرن الثاني الهجري، وإن كنا لا نستطيع على وجه الدقة معرفة الوقت الذي بدأ فيه هذا الاتجاه.
3- بواعث التدوين:
كان للإسلام باعتباره دينا جديدا أكبر الأثر على الحياة العلمية إجمالا واللغوية خاصة. فبنزول القرآن، انتقل المجتمع العربي من نظام قبلي إلى نظام إمبراطوري يضم أجناسا وأمما كثيرة ومتعددة، كان من أسباب توحيدها بالإضافة إلى وحدة العقيدة وحدة اللغة، التي نزل بها الدين الإسلامي، فحصل على إثر هذا الاختلاط تعلم العجم للعربية، وتعلم العرب للعجمية، فبدا اللحن والخطأ يشيعان في اللغة العربية، وخصوصا أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وقد تعرضت العربية في هذه المرحلة بالذات لنوعين من الفساد، فساد في اللفظ يتمثل في الخطأ في النطق، وفي تركيب الجمل، وهو ما نتج عنه ظهور النحو.
وفساد في المعنى باستعمال الألفاظ في غير مجالها المعنوي، وهو ما نتج عنه ظهور المعجم. يقول عبده الراجحي: "لقد فصل كثير من الباحثين في تاريخ الدرس اللغوي عند العرب، وبخاصة عند تعرضهم لتاريخ النحو، وهم يرجعون نشأة هذا الدرس إلى انتشار اللحن نتيجة دخول شعوب غير عربية في الإسلام...وذلك صواب لاشك فيه لكنه صواب غير كامل، أو هو صواب لم يلتمس الأهم في نشأة هذا الدرس وتطوره. نعم لقد كان حفظ القرآن من اللحن سببا من الأسباب لكنه لم يكن السبب الأول، ولم يكن الغاية من الدراسة، والسبب الحقيقي - فيما نعتقد- لنشأة علوم اللغة عند العرب إنما هو السعي لفهم النص القرآني باعتباره مناط الأحكام التي تنتظم الحياة" ([12]).
وبالنظر إلى ما أشير إليه في النص أعلاه، يمكن تلخيص أهم بواعث وأسباب تدوين اللغة في ما يلي:
1- صيانة القرآن الكريم من الأخطاء المتعلقة بالنطق أو الفهم.
2- حفظ اللغة العربية من اللحن أو العجمة أو الفساد ووقايتها من الألفاظ الدخيلة على متنها.
3- الخوف على اللغة العربية من الانقراض بانقراض الحفاظ لها، والضياع بموت علمائها ورواتها.
4- المحافظة على اللغة باعتبارها جزء من العقيدة الإسلامية (لغة القرآن والحديث) قال تعالى﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته﴾([13]). والجدير بالذكر أن العرب في إطار حركتهم لجمع اللغة، وضعوا مجموعة من الشروط التي ينبغي توفرها في عملية النقل، مرتكزين في عملهم على معيار الفصاحة والنقاء، وهو معيار تنطوي تحته مجموعة من المعايير والشروط المتعلقة بالفرد وكذا باللفظ.
أ- الشروط المتعلقة بالفرد:
- السماع: وهو الأخذ المباشر للمادة اللغوية عن الناطقين بها.
- ثبوت أقوالهم عن العرب بسند صحيح يوجب العمل به.
- عدالة الناقلين: فيشترط في ناقل اللغة الأمانة والعدالة والصدق والثقة، بمعنى أن ينقل اللغة كما سمعها دون أن يزيد فيها أو ينقص منها، ودون أن يؤثر فيها أو يخضعها لميولاته وأهوائه ومصالحه الخاصة، يقول ابن الأنبا ري: "يشترط أن يكون ناقل اللغة عدلا رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو عبدا كما يشترط في نقل الحديث، لأن به معرفة تفسيره وتأويله، فاشترط في نقلها ما اشترط في نقله، وإن لم تكن في الفضيلة من شكله، فإن كان ناقل اللغة فاسقا لم يقبل نقله" ([14]) .
أن يكون الأخذ عن الأعراب الموغلين في البداوة، وغياهب الصحراء الذين لم يختلطوا بغيرهم من الأمم والأجناس الأخرى، ولم تكن لهم صلة بغير العرب، يقول مصطفى صادق الرافعي: "فرحلوا إلى البادية وهي مصدر اللغة، يطلبون جفاة الأعراب وأهل الطبائع المتوقعة، ويأخذون عن القبائل التي بعدت عن أطراف الجزيرة، وبقيت سرة البادية أو فاضت حواليها"([15]). ويقول ابن خلدون: "الصريح من النسب إنما يكون للمتوحشين في القفر من العرب ومن في معناهم، وذلك لما اختصوا من نكد العيش وشظف الأحوال...فلا ينزع إليهم أحد من الأمم...فيؤمن عليهم لأجل ذلك من اختلاط أنسابهم وفسادها ولا تزال بينهم محفوظة صريحة، واعتبر ذلك في مضر وقريش وكنانة وثقيف وبني أسد وهذيل، ومن جاورهم من خزاعة، لما كانوا أهل شظف ومواطن غير ذات زرع ولا ضرع وبعدوا من أرياف الشام والعراق...وأما العرب الذين كانوا بالتلول، وفي معادن من الخصب للمراعي والعيش من حمير وكهلان مثل لخم وجذام وغسان وطيء وقضاعة وأياد فاختلطت أنسابهم وتداخلت شعوبهم" ([16]) .
ويعتبر الفارابي من أوائل العلماء الذين ذكروا أهم القبائل التي أخذت عنها اللغة العربية في قوله: "والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم"([17]) .
ب- الشروط المتعلقة باللفظ:
إن أهم شرط خص به جانب اللفظ، هو كثرة الاستعمال، وفيه مقاييس فصل السيوطي القول فيها في المزهر كما يلي:
* خلو اللفظ من التنافر، بأن تكون الحروف المكونة له متباعدة في المخارج، وكلما حصل تقارب في المخارج كلما حصل هناك تنافر، كما في لفظتي العهخع و مستشزرات.
* خلو اللفظ من الغرابة، وهي غموض اللفظ الناتج عن قلة استعماله، ومن أمثلته قول عيسى بن عمر النحوي لما سقط من فوق حماره واجتمع الناس حوله " مالكم تكأكأتم علي كتأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني".
* مخالفة القياس، فاللفظ إذا خالف القياس وقل استعماله لم يكن فصيحا، وكان مردودا. أما إذا كثر استماله وإن لم يكن قياسيا كان مقبولا، وذلك نحو كلمة (سرر) فالأصل أن يجمع (سرير) على وزن أفعلة أو فعلان، لا على وزن فعل إلا أن وروده في القرآن وكثرة تردده على الألسنة وتداوله بين المسلمين أكسبه الفصاحة والسلامة.
وهذا المعيار الذي كرر القول فيه ابن جني - الأخذ بالأكثر والأشهر- صرح به كثير ممن قبله منهم أبو عمر بن العلاء حين سأله أحدهم فقال: "أخبرني عما وضعت مما سميته عربية، أيدخل فيه كلام العرب كله؟ فقال لا. فقلت كيف فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة؟ فقال أعمل على الأكثر وأسمي ما خالفتني لغات"([18]) .
والنتيجة هي أنه داخل الإطار العام لكلام العرب، أي الفصيح ترتب الاستعمالات في سلم متفاوت الدرجات، فأعلاها الأفصح وهو الأكثر والأشهر، وأدناها الذي يحفظ ولا يعمل به، وخارج هذا السلم يوضع الخطأ واللحن.
ولابن هشام نص مشهور في ترتيب درجات سلم الفصاحة القائم على معياري القلة والكثرة يقول: "اعلم أنهم يستعملون غالبا وكثيرا ونادرا وقليلا ومطردا، فالمطرد لا يختلف، والغالب أكثر الأشياء ولكنه يتخلف، والكثير دونه، والقليل دون الكثير، والنادر اقل من القليل..." ([19]) فكلام العرب ([20])يتدرج في خمسة مراتب على النحو الآتي:
1 مطرد / 2 غالب / 3 كثير / 4 قليل / 5 نادر.
II - مصادر تدوين اللغة العربية:
يمكن حصر المصادر التي استقى منها اللغويون العرب مادتهم فيما يلي:
1- القرآن الكريم.
2- القراءات القرآنية.
3- الحديث النبوي الشريف.
4- كلام العرب شعرا ونثرا.
وتندرج هذه المصادر تحت أصل السماع، يقول السيوطي«وأعني به ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى وهو القرآن، وكلام نبيه r، وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده، إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظما ونثرا، عن مسلم أو كافر، فهذه ثلاثة أنواع لابد في كل منها من الثبوت»([21]) .
1- القرآن الكريم:
يعتبر القرآن الكريم في أعلى درجات الفصاحة، وخير ممثل للغة العربية المدونة، لذلك وقف منه اللغويون موقفا موحدا فاستشهدوا به، وقبلوا كل ما جاء فيه، ولا يعرف أحد من اللغويين تعرض لشيء مما ثبت في المصحف بالنقد والتخطئة، يقول الراغب الأصفهاني: «ألفاظ القرآن الكريم هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء ..وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء..وما عداها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمر».([22])
والمراد بالقرآن، النص القرآني المدون في المصحف، وهو غير القراءات القرآنية، يقول الزركشي:«القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد r للبيان والإعجاز. والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتابة الحروف، أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما»([23]). ويقول الآمدي: «أما حقيقة الكتاب فقد قيل فيه، هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف بالأحرف السبعة المشهورة نقلا وعقلا»([24]).
ولعل مصدر إجماع اللغويين حول هذا النص، يرجع إلى ما أحيط به نص القرآن الكريم منذ بداية نزوله، من عناية شديدة منقطعة النظير من قبل الصحابة، حيث تجردوا لحفظه وإتقانه، فتلقوه عن النبي r حرفا حرفا، لم يهملوا منه حركة ولا سكونان ولا إثباتا ولا حذفا، ولا دخل عليهم شيء منه شك ولا وهم، ولقد تلقاه أصحاب رسول اللهr منه على تلك الرعاية والأمانة، حتى كان يستمع إليهم وهم يقرؤون عليه. فعن ابن مسعود قال قال رسول الله: «اقرأ علي، ففتحت سورة النساء فلما بلغت ﴿فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا﴾([25]). رأيت عينيه تذرفان من الدمع فقال حسبك الآن، وما روي من قول الرسول r «من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقراه على قراءة أم معبد»([26])، وذلك حين قام ابن مسعود يصلي والنبي r يسمع قراءته. وكل هذه النصوص تدل دلالة قاطعة على الدرجة الكبيرة في توثيق النص القرآني وضبطه. يزكي هذا الكلام الحديث الذي رواه عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي r أنه قال «لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، فمن كتب شيئا عني غير القرآن فليمحه» ([27]). فالرسول r مبالغة منه في الحفاظ على النص القرآني رأى أن لا يكتب شيء عنه من كلامه سوى القرآن، حتى لا يختلط الأمر فيما بعد على المسلمين بين السنة والقرآن.
لذلك كان القرآن، النص العربي الصحيح المتواتر المجمع على تلاوته بالطرق التي وصل إلينا بها في الأداء والحركات والسكنات، «فلم يتوفر لنص ما توفر للقرآن الكريم من تواتر رواياته وعناية العلماء بضبطها وتحريرها متنا وسندا »([28]). بل لم تعرف البشرية كتابا أحيط بالعناية، واكتنف بالرعاية فحوفظ على تركيبه وكلماته وحروفه وحركاته، وكيفية ترتيله بلهجاته مع إتقان متنها في التلقين، ودقة بالغة في الأخذ والأداء - مثل الكتاب العزيز- ولهذا كان القرآن الكريم الوارد إلينا عن طريق الصحابة والقراء التابعين- وهم جميعا ممن يحتج بكلامهم العادي فضلا عن قراءاتهم التي تحروا ضبطها، حجة في اللغة.
2- القراءات القرآنية:
القراءات القرآنية، هي الوجوه التي سمح النبي r بقراءة نص المصحف بها قصدا للتيسير، التي جاءت وفقا للهجة من اللهجات العربية، يقول ابن الجزري «فأما وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها والتهوين عليها، وتوسعة ورحمة وخصوصية لفظها وإجابة لقصد نبيها.. حيث أتاه جبريل فقال له إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال r أسأل الله معافاته ومعونته، إن أمتي لا تطيق ذلك، ولم يزل يردد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف» ([29]).
ويتفق هذا الكلام مع ما رواه ابن عباس t أن رسول الله r قال «أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» ([30]). وهذا الحديث مشهور في كتب القراءات والتفاسير، كما ورد بطرق متعددة، وبأوجه مختلفة ولكنها متفقة في الفكرة، وهي أن الرسول r أدرك أن الأمة العربية لا تستطيع أن تقرأ كتاب الله إذا نزل بلغة واحدة، لأن لغة العرب لهجات مختلفة، فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم، لكان من التكليف بما لا يطاق.
فكان من تيسير الله تعالى، أن أمر نبيه r بأن يقرئ كل أمة بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم. فالهذلي يقرأ «عتى حين» يريد حتى والقرشي لا يهمز والآخر يقرأ «قيل لهم - وغيض الماء بالإشمام» وهذا يقرا «منهم وعليهم»وأخر يقرأ «عليهمو ومنهمو»بالصلة إلى غير ذلك. ولو أراد كل فريق من هؤلاء أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا، لاشتد عليه وعظمت المحنة فيه. وبذلك يفهم أن الاختلاف في كثير من القراءات القرآنية، يرجع إلى اختلاف لهجات العرب، فتكون القراءات القرآنية مصدرا هاما من مصادر العربية.( سنعود لتفصيل هذا الموضوع في محاضرة مستقلة)
3- الحديث النبو الشريف:
المشهور بين الباحثين، أن قدامى اللغويين والنحاة كانوا يرفضون الاستشهاد بالحديث في اللغة، فلا يستندون إليه في إثبات ألفاظها أو وضع قواعدها، وقد حاولوا تعليل هذا الرفض المزعوم، وانتهوا إلى أنه يرجع لسببين اثنين: أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى، والثاني أنه وقع كثيرا فيما روي من الحديث. لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع.
والذي نحب أن نلفت النظر إليه، أن هؤلاء القدماء الذين نسب إليهم رفضهم الاستشهاد بالحديث لم يثيروا هذه المسالة، ولم يناقشوا مبدأ الاحتجاج بالحديث، ولم يصرحوا برفض الاستشهاد به، وإنما هو استنتاج المتأخرين الذين لاحظوا عدم استشهاد القدماء بالحديث، فبنوا عليه أنهم يرفضون الاستشهاد به، ثم حاولوا تعليل ذلك.
وما يؤكد هذا الكلام، أن هناك من الأدلة ما يقطع أنهم كانوا يستشهدون بالحديث، ويبنون عليه قواعدهم، سواء في اللغة أو النحو أو غيرهما من العلوم العربية.
ولهذا لا يسع الباحث المدقق أن يسلم بما ادعاه المتأخرون وسنده في ذلك ما يلي:
1- إن الأحاديث أصح سندا مما نقل من أشعار العرب.
2- إن من المحدثين من ذهب إلى عدم جواز الرواية بالمعنى، إلا لمن أحاط بجميع دقائق اللغة، وإلا فلا يجوز له الرواية بالمعنى.
3- إن كثيرا من الأحاديث دون في الصدر الأول قبل فساد اللغة على أيدي رجال يحتج بأقوالهم في العربية.
4- لو صح أن القدماء لم يستشهدوا بالحديث، فليس معناه أنهم كانوا لا يجيزون الاستشهاد به، إذ لا يلزم من عدم استدلالهم بالحديث، عدم صحة الاستدلال به.
وقد ثبت فعلا أن أوائل النحاة من شيوخ سيبويه حتى زمن صحيح البخاري، لم يكثروا من الاستشهاد بالحديث لأنه لم يكن مدونا في زمانهم.
5- من اللغويين الذين استشهدوا بالحديث في مسائل اللغة، أبو عمرو بن العلاء، والخليل، والكسائي، والفراء، والأصمعي، وأبو عبيد، وابن الأعرابي، وابن السكيت، وأبو حاتم، وابن قتيبة، والمبرد، وابن دريد، وأبو جعفر النحاس، وابن خالويه، والأزهري، والفارابي، وابن عباد، وابن فارس، والجوهري، وابن سيدة، وابن منظورن والفيروزابادي، وغيرهم.
ومن النحاة الأوائل الذين استشهدوا أيضا بالحديث في مسائل النحو نذكر ما يلي:
أبو عمرو بن العلاء والخليل وسيبويه والفراء والزجاجي والزمخشري وابن خروف وابن الخباز وابن مالك وابن عقيل والأشموني والسيوطي وغيرهم كثير. وفاق كل هؤلاء ابن مالك وبلغ الذروة في الاستشهاد بالحديث في كتابه (شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح)، وحتى الذين رفضوا الاستشهاد بالحديث وعلى رأسهم ابن الضائع وأبو حيان لم تخل كتبهما من بعض الحديث.
4- كلام العرب:
لاشك أن الروايات التي جاءت عن العرب، وامتلأت بها كتب اللغة والنحو والأدب والتاريخ، تمدنا بروافد عديدة في موضوع اللهجات العربية، وذلك أن العلماء عندما قرروا جمع اللغة أخذوها عن العرب الفصحاء الموثوق بعربيتهم، الذين لم تفسدهم الحضارة، وكان الشعر أحد المصادر التي لاقت اهتماما كبيرا من اللغويين، واعتبروه الدعامة الأولى لهم، حتى لقد تخصصت كلمة الشاهد الشعري فيما بعد، وأصبحت مقصورة على الشعر فقط. ولذلك نجد كتب الشواهد لا تضم غير الشعر ولا تهتم بما عداه . ويقسم اللغويون الشعراء إلى طبقات أربع وهي:
أولا: الشعراء الجاهليون قبل الإسلام.
ثانيا: الشعراء المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام.
ثالثا: الشعراء الإسلاميون، وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق وآخرهم ابن هرمة. قال الأصمعي «ختم الشعراء بان هرمة»([31]). وقال أبو عبيدة «افتتح الشعر بامرئ القيس وختم بابن هرمة»([32]).
رابعا: المولدون وهم من بعده إلى زمان بشار وأبي نواس.
فالطبقة الأولى والثانية، يستشهد بشعرهما إجماعا، وإن كان من بينهما بعض الشعراء الذين طعن فيهم، كعدي بن زيد وأبي دؤاد الأيادي.
أما الطبقة الثالثة، فالصحيح جواز الاستشهاد بشعرها، وقد كان أبو عمرو بن العلاء والحسن البصري وعبد الله بن أبي إسحاق يلحنون الفرزدق والكميت وذا الرمة وأضرابهم. يقول الأصمعي:«جلست إلى أبي عمر بن العلاء ثماني حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي»([33]) .
وأما الطبقة الرابعة، فالصحيح أنه لا يستشهد بشعرها مطلقا، ومنهم من أباح الاستشهاد بكلام من يوثق به منه، ومن هؤلاء الزمخشري الذي كان يرى الاحتجاج بشعر أبي تمام.
وإلى جانب الشعر، نجد الشواهد النثرية التي جاءت في شكل خطبة أو وصية أو مثل أو حكمة أو نادرة. ويعد هذا من آداب العرب، وأخذ في الاستشهاد به مكان الشعر.
وقد وضع اللغويون شروطا تشمل الزمان والمكان بالنسبة لهذا المصدر (كلام العرب). أما من ناحية الزمان فقد حددوا في نهاية الفترة التي يستشهد بها بآخر القرن الثاني الهجري بالنسبة لعرب الأمصار. وآخر القرن الرابع الهجري بالنسبة لعرب البادية.
وأما المكان، فقد ربطوه بفكرة البداوة والحضارة، فكلما كانت القبيلة بدوية، أو أقرب إلى حياة البداوة، كانت لغتها أفصح، والثقة فيها أكبر، وكلما كانت متحضرة، أو أقرب إلى حياة الحضارة، كانت لغتها محل شك ومثار شبهة، ولذلك تجنبوا الأخذ عنها.
يقول الفارابي: «كانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعا، وأبينها إبانة عما في النفس. والذين نقلت عنهم اللغة وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أخذ أكثر ما أخذ ومعظمه. وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب وفي التصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين»([34]) .
لقد كانت هذه المرحلة من تاريخ تدوين اللغة العربية، بداية لمرحلة جديدة تمثلت في إقبال العلماء على التأليف والدراسة في كل العلوم اللغوية، وكان الإقبال على هذه العلوم، من الأمور الدينية كما ذكره السيوطي في المزهر حين قال " ولا شك أن علم اللغة من الدين، لأنه من فروض الكفايات، وبه تعرف معاني ألفاظ القرآن والسنة، أخرج أبو بكر الأنباري في كتاب الوقف والابتداء بسنده عن عمر بن الخطاب t قال: لا يقرئ القرآن إلا عالم بالعربية ..وقال الفارابي في خطبة ديوان الأدب: القرآن كلام الله وتنزيله، فصل فيه مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، مما يأتون ويدرون، ولا سبيل إلى علمه وإدراك معانيه إلا بالتبحر في علم هذه اللغة"([35]).
وأول ما عرف في تاريخ التأليف اللغوي عند العرب، تلك الحركة الهادفة إلى تفسير غريب القرآن، وغريب الحديث، باعتباره مفسرا للقرآن، وهي حركة لم يشهدها العهد النبوي، لأن الرسولr كان المرجع في تفسير ما استشكل على المسلمين من أمور دينهم ودنياهم. وتعتبر هذه المحاولات بمثابة الجذور الأولى لبداية درس لغوي حقيقي عند العرب، وهو ما انطلق فيه التأليف فعلا، أواخر القرن الأول الهجري، وبداية الثاني منه، وذاك ما سنعمل على مناقشته في دراسة لاحقة بحول الله تعالى.
الهوامش:
* أستاذ علوم اللغة العربية واللسانيات بكلية الآداب، جامعة السلطان مولاي سليمان، بني ملال، وأستاذ زائر، بالكلية متعددة التخصصات بخريبكة، جامعة الحسن الأول. المغرب.
([1]) الروايا من الإبل: الحوامل للماء، واحدتها راوية.
([2]) الزمخشري أساس البلاغة ، مادة: روى. دار الكتب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1972م.
([3]) الشلقاني، رواية اللغة، ص: 37. دار المعارف القاهرة مصر.
([4]) الأزهري، تهذيب اللغة، مادة: روى. تحقيق عبد السلام هارون وآخرين، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1964م/1967م.
([5]) ابن منظور، لسان العرب، مادة: روى. دار صادر للنشر بيروت الطبعة الثالثة السنة 1994م.
([6]) الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية، مادة: روى. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1956م/1958م.
([7]) محمد عيد، الرواية والاستشهاد باللغة: دراسة لقضايا الروايا والاستشهاد في ضوء علم اللغة الحديث ص:10، عالم الكتب، القاهرة 1976م.
([8]) لسان العرب، مادة: سمع.
([9]) السيوطي: الاقتراح في علم أصول النحو ص:36. تحقيق احمد سليم الحمصي ومحمد احمد قاسم، جروس بريس، الطبعة الأولى،1988م.
([10]) علي أبو المكارم،أصول التفكير النحوي، ص:21. منشورات الجامعة الليبية، 1973م.
([11]) سنن الترميذي كتاب العلم.
([12]) عبده الراجحي، فقه اللغة في الكتب العربية، ص:34-35. دار النهضة العربية بيروت لبنان.
([13]) سورة المائدة، الآية:67.
([14]) السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها 1/138. ، تحقيق محمد أحمد جاد المولى/ محمد أبو الفضل إبراهيم/ علي محمد البجاوي، المكتبة العصرية صيدا بيروت. 1408هـ/1989م.
([15]) مصطفى صادق الرافعي، تاريخ أدب العرب 1/330. دار الفكر بيروت لبنان.
([16]) ابن خلدون، المقدمة، ص: 129-130. دار الجيل بيروت لبنان.
([17])المزهر، 1/ 211-212.
([18]) الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، ص:39. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، دار المعارف، مصر.
([19]) المزهر 1/234.
([20]) عبد العالي الودغيري، من قضايا المعجم عند ابن الطيب الشرقي، ص:53. منشورات عكاظ، المغرب. الطبع الأولى، 1998م.
([21]) الاقتراح في علم أصول النحو، ص:36
([22]) مفردات الراغب الأصفهاني
([23]) الزركشي، البرهان 1 /318. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية صيدا بيروت.
([24]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 1/228. تحقيق سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية،1986م
([25]) سورة النساء، الآية:44.
([26]) مسند أحمد، كتاب العشرة المبشرين بالجنة.
([27]) مسند أحمد، كتاب باقي المكثرين.
([28]) سعيد الأفغاني، في أصول النحو،ص: 25. جامعة دمشق،دار الفكر، الطبعة الثالثة.
([29]) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر1/22. تحقيق محمد الضباع، دار الفكر بيروت.
([30]) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن. تقديم أحمد محمد شاكر، دار الجيل بيروت.
([31]) الاقتراح في علم أصول النحو، ص:26.
([32]) ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ص:56. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل بيروت لبنان. الطبعة الخامسة. 1401هـ/1981م.
([33]) العمدة، ص:57.
([34]) المزهر 1/211-212.
([35]) المزهر 2/302.
تقديم:
من الحقائق المسلم بها في الدراسات اللغوية عند العرب أنها ارتبطت بالنص القرآني، فكان الاهتمام اللغوي يستهدف أساسا خدمة القرآن، حيث ظلت هذه الغاية المحدد الأساس لمسار المنهج اللغوي الذي جمع بين دراسة اللغة والقرآن، فتأثرت العلوم اللغوية بالعلوم الشرعية، كالفقه والحديث والتفسير والأصول والقراءات القرآنية. فلا نكاد نجد كتابا من الكتب اللغوية إلا وهو متأثر بهذه العلوم، كما لا نجد كتابا من كتب العلوم الشرعية، إلا وهو يشير إلى ما ينبغي أن يتوفر في طالب العلوم الشرعية، من امتلاك لأدوات الدرس اللغوي، المتمثل في علوم اللغة، وعلى رأسها النحو العربي، وخير شاهد على هذا الترابط جملة الكتب اللغوية التي ألفها اللغويون في مختلف القرون، ومن ضمنه الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس، والخصائص لابن جني، وفقه اللغة وسر العربية للثعالبي، والاقتراح في علم أصول النحو، والأشباه والنظائر، والمزهر، وكلها للسيوطي، والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري..الخ. فعناوين هذه الكتب دالة على مابين الدرس اللغوي والشرعي من تأثر كبير، تجلى في المصطلحات التي استعملها اللغويون في كتبهم من مثل الأصول، والفقه، والخلاف، والسنن، والأشباه والنظائر، وغيرها كثير جدا. وهي مصطلحات لعلوم شرعية نفذت مقدماتها في علوم اللغة، ونحن في هذه الدراسة سنتناول مبحثا لغويا له كبير صلة بعلمين شرعيين هما: علم الحديث وأصول الفقه، وكلاهما ألف فيه السيوطي مصنفا مازال يشهد بهاته العلاقة إلى يومنا هذا. أما الشق الأول من هذه الدراسة، فتتناول الرواية اللغوية، وأما الشق الثاني فله علاقة بأصل السماع وهو أحد أصول النحو المتضمن لمصادر اللغة العربية.
I - الرواية اللغوية:
1 الرواية لغة واصطلاحا:
الرواية بمدلولها العلمي الاصطلاحي، طور لغوي متأخر سبقه طور ذو دلالة مادية حسية، كانت في بدء أمرها محصورة فيما يتصل بالماء من إناء يحمل فيه كالمزادة، ومن حيوان يحمل عليه كالبعير، ومن إنسان يحمله مستقيا أو متعهدا دابة السقاية. يقول لبيد:
فتولهم فاترا مشيهم ٭٭٭ كروايا([1]) الطبع همت بالوحل
ثم أصبحت الرواية تطلق على مطلق الحمل، والرواية على الدابة التي تتخذ لحمل المتاع إطلاقا، ثم صارت الروايا تدل على السادة لأنهم يقومون بأعباء غيرهم ويحملون عنهم أثقالهم. قال رجل من بني تميم وقد ذكر قوما أغاروا عليهم "لقيناهم فقتلنا الروايا وأبحنا الزوايا" أي قتلنا السادة وأبحنا البيوت ([2])، ثم بعد ذلك دخلت هذه اللفظة ميدان النقل الشفهي فأطلقت على أخذ الشعر والحديث والقراءات واللغة لعلاقة النقل في كل([3]). يقول الأزهري " روى فلان حديثا أو شعرا يرويه رواية فهو راو، فإذا كثرت روايته قيل هو راوية" ([4]) ويقول ابن منظور في اللسان: " رويته الشعر تروية أي حملته على روايته وأرويته أيضا، وتقول أنشد القصيدة...ولا تقل اروها إلا أن تأمره بروايتها أي باستظهارها"([5]) ونقل عن الجوهري قوله "رويت الحديث والشعر فأنا راو في الماء والشعر، من قوم رواة"([6]).
أما الرواية في الاصطلاح فهي"جمع المادة اللغوية من الناطقين العرب"([7]) وهو ما عبر عنه بعضهم بأنه عملية جمع المادة اللغوية من أفواه العرب الفصحاء بالذهاب إليهم في بواديهم، أو بلقائهم في الحواضر ثم نقل ذلك إلى غيرهم.
2- السماع:
السماع في اللغة هو اسم ما استلذت الأذن من صوت حسن، وهو أيضا ما سمعت به فشاع وتكلم الناس به([8]).
وفي الاصطلاح هو "ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى وهو القرآن، وكلام نبيهr وكلام العرب قبل بعثته، وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظما ونثرا عن مسلم أو كافر، فهذه ثلاثة أنواع لابد في كل منها من الثبوت" ([9]).
وهذا الكلام فيه تفصيل نقف منه على أن الكلام العربي الفصيح هو المادة التي هي مناط السماع الذي يعتد به.
وبهذا يتضح أن السماع والرواية في الاصطلاح يدوران حول معنى واحد تقريبا، على الرغم من أن بعض الباحثين المحدثين يجعلون السماع في الاصطلاح مقصورا على الأخذ المباشر للمادة اللغوية من الناطقين بها، أما ما نقل عنهم بطريق غير مباشر فهو رواية. ([10]) .
وهكذا فإن كلا من الرواية والسماع، إنما هو نقل المادة اللغوية كما استعملها العرب الناطقون بها خدمة للغة والبحث اللغوي، سواء كان ذلك بمشافهة العرب أنفسهم، أم بالأخذ عمن سمع عنهم، والسماع طريق مهم اعتمد عليه اللغويون والنحاة القدماء من بصريين وكوفيين، وجعلوه أساسا استندوا إليه في تقعيد القواعد.
ولقد كان السماع الخطوة الأولى التي سبقت القياس، فقد اتفق العلماء والباحثون في مجال اللغة والنحو على أن السماع أصل والقياس قائم عليه، فبينهما علاقة قوية ورابطة وثيقة، فالأول أمد الآخر بالمادة اللغوية التي تمثل أحد أركانه الأساسية.
وقد عرف العلماء السماع بمفهومه العلمي في القرن الثاني الهجري، حين أخذ بعضهم يوسع في القياس على أساس من السماع.
والسماع في مجال اللغة وثيق الصلة بالرواية الأدبية، والنص القرآني وقراءاته، وكذا الحديث الشريف باعتبارها جميعا نصوصا يعتمد في نقلها على السماع والرواية اللذين عرفا بمعناهما العلمي في مجال اللغة- في مرحلة تالية للرواية في مظاهرها الأخرى. فالرواية الأدبية ترجع في نشأتها إلى العصر الجاهلي حيث كان الشعر محور السماع عند العرب، وكان أسلوبهم في روايته هو الاعتماد على المشافهة، وبذلك يتضح، أنه لا يوجد في العصر الجاهلي وأول العصر الإسلامي، من مظاهر الرواية غير الرواية الأدبية.
والرواية الأدبية لا تهمنا إلا من زاويتين:
أولها: تتمثل في أن رواة الأدب كانوا مقصدا من مقاصد النحاة واللغويين يسمعون منهم النصوص التي جعلوها أساسا لتقعيد قواعدهم.
وثانيها: أن المتجهين للسماع في اللغة أنفسهم نشأوا رواة للشعر في أول الأمر، حتى إننا نجد من الباحثين المحدثين من يقول بأن روايته كانت تمثل الجذور الأولى للرواية اللغوية. وقد بدا طلب العلم بصفة عامة في القرن الأول الهجري مرتبطا بالنص القرآني والقراءات والحديث الشريف، معتمدا على الرحلة قصد السماع الذي تعد المشافهة وسيلته الرئيسية كما هو معروف. فالصحابي الجليل أبو الدرداء وهو احد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبي r يقول "لو أعيتني آية من كتاب الله فلم أجد أحدا يفتحها علي إلا رجل ببرك الغماد لرحلت إليه". ولهذا نجد أن أوائل رواة اللغة جلهم من القراء، من أمثال يحيى بن يعمر (تـ 129هـ)، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (تـ 117هـ)، وعيسى بن عمر (تـ 149هـ) وأبي عمرو بن العلاء (تـ 154هـ)، ولما كان هذا شأنهم كان السماع في اللغة معتمدا في أول نشأته عليهم.
وكذلك كان الشأن بالنسبة لرواية الحديث الشريف التي بذلت منذ عهد الرسول r يقول عبد الله بن أبي مسعود "سمعت رسول الله ئ يقول : نضر الله وجه امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع"([11]) .
ونظرا لهذا الارتباط الوثيق، وكذا السبق في مجال أخذ القراءات والحديث، يذكر ابن الأنباري أن اللغويين اشترطوا في نقل اللغة بعض ما يشترط في نقل الحديث، وهو تأثر بأسلوب المحدثين، يدل عليه ما يسوقه هو نفسه، من أن النقل في اللغة ينقسم إلى متواتر وآحاد، ويعني بالمتواتر لغة القرآن، وما تواتر من السنة، وكلام العرب. وبالآحاد، ما تفرد بنقله بعض أهل اللغة وأهل الحديث.
وبذلك تكون رواية الأنساب والآداب والقراءات والحديث الشريف، جميعها أسبق من السماع في مجال اللغة، إذ لم يبدأ في اللغة بالمعنى الاصطلاحي، إلا في القرن الثاني الهجري، وإن كنا لا نستطيع على وجه الدقة معرفة الوقت الذي بدأ فيه هذا الاتجاه.
3- بواعث التدوين:
كان للإسلام باعتباره دينا جديدا أكبر الأثر على الحياة العلمية إجمالا واللغوية خاصة. فبنزول القرآن، انتقل المجتمع العربي من نظام قبلي إلى نظام إمبراطوري يضم أجناسا وأمما كثيرة ومتعددة، كان من أسباب توحيدها بالإضافة إلى وحدة العقيدة وحدة اللغة، التي نزل بها الدين الإسلامي، فحصل على إثر هذا الاختلاط تعلم العجم للعربية، وتعلم العرب للعجمية، فبدا اللحن والخطأ يشيعان في اللغة العربية، وخصوصا أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وقد تعرضت العربية في هذه المرحلة بالذات لنوعين من الفساد، فساد في اللفظ يتمثل في الخطأ في النطق، وفي تركيب الجمل، وهو ما نتج عنه ظهور النحو.
وفساد في المعنى باستعمال الألفاظ في غير مجالها المعنوي، وهو ما نتج عنه ظهور المعجم. يقول عبده الراجحي: "لقد فصل كثير من الباحثين في تاريخ الدرس اللغوي عند العرب، وبخاصة عند تعرضهم لتاريخ النحو، وهم يرجعون نشأة هذا الدرس إلى انتشار اللحن نتيجة دخول شعوب غير عربية في الإسلام...وذلك صواب لاشك فيه لكنه صواب غير كامل، أو هو صواب لم يلتمس الأهم في نشأة هذا الدرس وتطوره. نعم لقد كان حفظ القرآن من اللحن سببا من الأسباب لكنه لم يكن السبب الأول، ولم يكن الغاية من الدراسة، والسبب الحقيقي - فيما نعتقد- لنشأة علوم اللغة عند العرب إنما هو السعي لفهم النص القرآني باعتباره مناط الأحكام التي تنتظم الحياة" ([12]).
وبالنظر إلى ما أشير إليه في النص أعلاه، يمكن تلخيص أهم بواعث وأسباب تدوين اللغة في ما يلي:
1- صيانة القرآن الكريم من الأخطاء المتعلقة بالنطق أو الفهم.
2- حفظ اللغة العربية من اللحن أو العجمة أو الفساد ووقايتها من الألفاظ الدخيلة على متنها.
3- الخوف على اللغة العربية من الانقراض بانقراض الحفاظ لها، والضياع بموت علمائها ورواتها.
4- المحافظة على اللغة باعتبارها جزء من العقيدة الإسلامية (لغة القرآن والحديث) قال تعالى﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته﴾([13]). والجدير بالذكر أن العرب في إطار حركتهم لجمع اللغة، وضعوا مجموعة من الشروط التي ينبغي توفرها في عملية النقل، مرتكزين في عملهم على معيار الفصاحة والنقاء، وهو معيار تنطوي تحته مجموعة من المعايير والشروط المتعلقة بالفرد وكذا باللفظ.
أ- الشروط المتعلقة بالفرد:
- السماع: وهو الأخذ المباشر للمادة اللغوية عن الناطقين بها.
- ثبوت أقوالهم عن العرب بسند صحيح يوجب العمل به.
- عدالة الناقلين: فيشترط في ناقل اللغة الأمانة والعدالة والصدق والثقة، بمعنى أن ينقل اللغة كما سمعها دون أن يزيد فيها أو ينقص منها، ودون أن يؤثر فيها أو يخضعها لميولاته وأهوائه ومصالحه الخاصة، يقول ابن الأنبا ري: "يشترط أن يكون ناقل اللغة عدلا رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو عبدا كما يشترط في نقل الحديث، لأن به معرفة تفسيره وتأويله، فاشترط في نقلها ما اشترط في نقله، وإن لم تكن في الفضيلة من شكله، فإن كان ناقل اللغة فاسقا لم يقبل نقله" ([14]) .
أن يكون الأخذ عن الأعراب الموغلين في البداوة، وغياهب الصحراء الذين لم يختلطوا بغيرهم من الأمم والأجناس الأخرى، ولم تكن لهم صلة بغير العرب، يقول مصطفى صادق الرافعي: "فرحلوا إلى البادية وهي مصدر اللغة، يطلبون جفاة الأعراب وأهل الطبائع المتوقعة، ويأخذون عن القبائل التي بعدت عن أطراف الجزيرة، وبقيت سرة البادية أو فاضت حواليها"([15]). ويقول ابن خلدون: "الصريح من النسب إنما يكون للمتوحشين في القفر من العرب ومن في معناهم، وذلك لما اختصوا من نكد العيش وشظف الأحوال...فلا ينزع إليهم أحد من الأمم...فيؤمن عليهم لأجل ذلك من اختلاط أنسابهم وفسادها ولا تزال بينهم محفوظة صريحة، واعتبر ذلك في مضر وقريش وكنانة وثقيف وبني أسد وهذيل، ومن جاورهم من خزاعة، لما كانوا أهل شظف ومواطن غير ذات زرع ولا ضرع وبعدوا من أرياف الشام والعراق...وأما العرب الذين كانوا بالتلول، وفي معادن من الخصب للمراعي والعيش من حمير وكهلان مثل لخم وجذام وغسان وطيء وقضاعة وأياد فاختلطت أنسابهم وتداخلت شعوبهم" ([16]) .
ويعتبر الفارابي من أوائل العلماء الذين ذكروا أهم القبائل التي أخذت عنها اللغة العربية في قوله: "والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم"([17]) .
ب- الشروط المتعلقة باللفظ:
إن أهم شرط خص به جانب اللفظ، هو كثرة الاستعمال، وفيه مقاييس فصل السيوطي القول فيها في المزهر كما يلي:
* خلو اللفظ من التنافر، بأن تكون الحروف المكونة له متباعدة في المخارج، وكلما حصل تقارب في المخارج كلما حصل هناك تنافر، كما في لفظتي العهخع و مستشزرات.
* خلو اللفظ من الغرابة، وهي غموض اللفظ الناتج عن قلة استعماله، ومن أمثلته قول عيسى بن عمر النحوي لما سقط من فوق حماره واجتمع الناس حوله " مالكم تكأكأتم علي كتأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني".
* مخالفة القياس، فاللفظ إذا خالف القياس وقل استعماله لم يكن فصيحا، وكان مردودا. أما إذا كثر استماله وإن لم يكن قياسيا كان مقبولا، وذلك نحو كلمة (سرر) فالأصل أن يجمع (سرير) على وزن أفعلة أو فعلان، لا على وزن فعل إلا أن وروده في القرآن وكثرة تردده على الألسنة وتداوله بين المسلمين أكسبه الفصاحة والسلامة.
وهذا المعيار الذي كرر القول فيه ابن جني - الأخذ بالأكثر والأشهر- صرح به كثير ممن قبله منهم أبو عمر بن العلاء حين سأله أحدهم فقال: "أخبرني عما وضعت مما سميته عربية، أيدخل فيه كلام العرب كله؟ فقال لا. فقلت كيف فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة؟ فقال أعمل على الأكثر وأسمي ما خالفتني لغات"([18]) .
والنتيجة هي أنه داخل الإطار العام لكلام العرب، أي الفصيح ترتب الاستعمالات في سلم متفاوت الدرجات، فأعلاها الأفصح وهو الأكثر والأشهر، وأدناها الذي يحفظ ولا يعمل به، وخارج هذا السلم يوضع الخطأ واللحن.
ولابن هشام نص مشهور في ترتيب درجات سلم الفصاحة القائم على معياري القلة والكثرة يقول: "اعلم أنهم يستعملون غالبا وكثيرا ونادرا وقليلا ومطردا، فالمطرد لا يختلف، والغالب أكثر الأشياء ولكنه يتخلف، والكثير دونه، والقليل دون الكثير، والنادر اقل من القليل..." ([19]) فكلام العرب ([20])يتدرج في خمسة مراتب على النحو الآتي:
1 مطرد / 2 غالب / 3 كثير / 4 قليل / 5 نادر.
II - مصادر تدوين اللغة العربية:
يمكن حصر المصادر التي استقى منها اللغويون العرب مادتهم فيما يلي:
1- القرآن الكريم.
2- القراءات القرآنية.
3- الحديث النبوي الشريف.
4- كلام العرب شعرا ونثرا.
وتندرج هذه المصادر تحت أصل السماع، يقول السيوطي«وأعني به ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى وهو القرآن، وكلام نبيه r، وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده، إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظما ونثرا، عن مسلم أو كافر، فهذه ثلاثة أنواع لابد في كل منها من الثبوت»([21]) .
1- القرآن الكريم:
يعتبر القرآن الكريم في أعلى درجات الفصاحة، وخير ممثل للغة العربية المدونة، لذلك وقف منه اللغويون موقفا موحدا فاستشهدوا به، وقبلوا كل ما جاء فيه، ولا يعرف أحد من اللغويين تعرض لشيء مما ثبت في المصحف بالنقد والتخطئة، يقول الراغب الأصفهاني: «ألفاظ القرآن الكريم هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء ..وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء..وما عداها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمر».([22])
والمراد بالقرآن، النص القرآني المدون في المصحف، وهو غير القراءات القرآنية، يقول الزركشي:«القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد r للبيان والإعجاز. والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتابة الحروف، أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما»([23]). ويقول الآمدي: «أما حقيقة الكتاب فقد قيل فيه، هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف بالأحرف السبعة المشهورة نقلا وعقلا»([24]).
ولعل مصدر إجماع اللغويين حول هذا النص، يرجع إلى ما أحيط به نص القرآن الكريم منذ بداية نزوله، من عناية شديدة منقطعة النظير من قبل الصحابة، حيث تجردوا لحفظه وإتقانه، فتلقوه عن النبي r حرفا حرفا، لم يهملوا منه حركة ولا سكونان ولا إثباتا ولا حذفا، ولا دخل عليهم شيء منه شك ولا وهم، ولقد تلقاه أصحاب رسول اللهr منه على تلك الرعاية والأمانة، حتى كان يستمع إليهم وهم يقرؤون عليه. فعن ابن مسعود قال قال رسول الله: «اقرأ علي، ففتحت سورة النساء فلما بلغت ﴿فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا﴾([25]). رأيت عينيه تذرفان من الدمع فقال حسبك الآن، وما روي من قول الرسول r «من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقراه على قراءة أم معبد»([26])، وذلك حين قام ابن مسعود يصلي والنبي r يسمع قراءته. وكل هذه النصوص تدل دلالة قاطعة على الدرجة الكبيرة في توثيق النص القرآني وضبطه. يزكي هذا الكلام الحديث الذي رواه عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي r أنه قال «لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، فمن كتب شيئا عني غير القرآن فليمحه» ([27]). فالرسول r مبالغة منه في الحفاظ على النص القرآني رأى أن لا يكتب شيء عنه من كلامه سوى القرآن، حتى لا يختلط الأمر فيما بعد على المسلمين بين السنة والقرآن.
لذلك كان القرآن، النص العربي الصحيح المتواتر المجمع على تلاوته بالطرق التي وصل إلينا بها في الأداء والحركات والسكنات، «فلم يتوفر لنص ما توفر للقرآن الكريم من تواتر رواياته وعناية العلماء بضبطها وتحريرها متنا وسندا »([28]). بل لم تعرف البشرية كتابا أحيط بالعناية، واكتنف بالرعاية فحوفظ على تركيبه وكلماته وحروفه وحركاته، وكيفية ترتيله بلهجاته مع إتقان متنها في التلقين، ودقة بالغة في الأخذ والأداء - مثل الكتاب العزيز- ولهذا كان القرآن الكريم الوارد إلينا عن طريق الصحابة والقراء التابعين- وهم جميعا ممن يحتج بكلامهم العادي فضلا عن قراءاتهم التي تحروا ضبطها، حجة في اللغة.
2- القراءات القرآنية:
القراءات القرآنية، هي الوجوه التي سمح النبي r بقراءة نص المصحف بها قصدا للتيسير، التي جاءت وفقا للهجة من اللهجات العربية، يقول ابن الجزري «فأما وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها والتهوين عليها، وتوسعة ورحمة وخصوصية لفظها وإجابة لقصد نبيها.. حيث أتاه جبريل فقال له إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال r أسأل الله معافاته ومعونته، إن أمتي لا تطيق ذلك، ولم يزل يردد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف» ([29]).
ويتفق هذا الكلام مع ما رواه ابن عباس t أن رسول الله r قال «أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» ([30]). وهذا الحديث مشهور في كتب القراءات والتفاسير، كما ورد بطرق متعددة، وبأوجه مختلفة ولكنها متفقة في الفكرة، وهي أن الرسول r أدرك أن الأمة العربية لا تستطيع أن تقرأ كتاب الله إذا نزل بلغة واحدة، لأن لغة العرب لهجات مختلفة، فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم، لكان من التكليف بما لا يطاق.
فكان من تيسير الله تعالى، أن أمر نبيه r بأن يقرئ كل أمة بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم. فالهذلي يقرأ «عتى حين» يريد حتى والقرشي لا يهمز والآخر يقرأ «قيل لهم - وغيض الماء بالإشمام» وهذا يقرا «منهم وعليهم»وأخر يقرأ «عليهمو ومنهمو»بالصلة إلى غير ذلك. ولو أراد كل فريق من هؤلاء أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا، لاشتد عليه وعظمت المحنة فيه. وبذلك يفهم أن الاختلاف في كثير من القراءات القرآنية، يرجع إلى اختلاف لهجات العرب، فتكون القراءات القرآنية مصدرا هاما من مصادر العربية.( سنعود لتفصيل هذا الموضوع في محاضرة مستقلة)
3- الحديث النبو الشريف:
المشهور بين الباحثين، أن قدامى اللغويين والنحاة كانوا يرفضون الاستشهاد بالحديث في اللغة، فلا يستندون إليه في إثبات ألفاظها أو وضع قواعدها، وقد حاولوا تعليل هذا الرفض المزعوم، وانتهوا إلى أنه يرجع لسببين اثنين: أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى، والثاني أنه وقع كثيرا فيما روي من الحديث. لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع.
والذي نحب أن نلفت النظر إليه، أن هؤلاء القدماء الذين نسب إليهم رفضهم الاستشهاد بالحديث لم يثيروا هذه المسالة، ولم يناقشوا مبدأ الاحتجاج بالحديث، ولم يصرحوا برفض الاستشهاد به، وإنما هو استنتاج المتأخرين الذين لاحظوا عدم استشهاد القدماء بالحديث، فبنوا عليه أنهم يرفضون الاستشهاد به، ثم حاولوا تعليل ذلك.
وما يؤكد هذا الكلام، أن هناك من الأدلة ما يقطع أنهم كانوا يستشهدون بالحديث، ويبنون عليه قواعدهم، سواء في اللغة أو النحو أو غيرهما من العلوم العربية.
ولهذا لا يسع الباحث المدقق أن يسلم بما ادعاه المتأخرون وسنده في ذلك ما يلي:
1- إن الأحاديث أصح سندا مما نقل من أشعار العرب.
2- إن من المحدثين من ذهب إلى عدم جواز الرواية بالمعنى، إلا لمن أحاط بجميع دقائق اللغة، وإلا فلا يجوز له الرواية بالمعنى.
3- إن كثيرا من الأحاديث دون في الصدر الأول قبل فساد اللغة على أيدي رجال يحتج بأقوالهم في العربية.
4- لو صح أن القدماء لم يستشهدوا بالحديث، فليس معناه أنهم كانوا لا يجيزون الاستشهاد به، إذ لا يلزم من عدم استدلالهم بالحديث، عدم صحة الاستدلال به.
وقد ثبت فعلا أن أوائل النحاة من شيوخ سيبويه حتى زمن صحيح البخاري، لم يكثروا من الاستشهاد بالحديث لأنه لم يكن مدونا في زمانهم.
5- من اللغويين الذين استشهدوا بالحديث في مسائل اللغة، أبو عمرو بن العلاء، والخليل، والكسائي، والفراء، والأصمعي، وأبو عبيد، وابن الأعرابي، وابن السكيت، وأبو حاتم، وابن قتيبة، والمبرد، وابن دريد، وأبو جعفر النحاس، وابن خالويه، والأزهري، والفارابي، وابن عباد، وابن فارس، والجوهري، وابن سيدة، وابن منظورن والفيروزابادي، وغيرهم.
ومن النحاة الأوائل الذين استشهدوا أيضا بالحديث في مسائل النحو نذكر ما يلي:
أبو عمرو بن العلاء والخليل وسيبويه والفراء والزجاجي والزمخشري وابن خروف وابن الخباز وابن مالك وابن عقيل والأشموني والسيوطي وغيرهم كثير. وفاق كل هؤلاء ابن مالك وبلغ الذروة في الاستشهاد بالحديث في كتابه (شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح)، وحتى الذين رفضوا الاستشهاد بالحديث وعلى رأسهم ابن الضائع وأبو حيان لم تخل كتبهما من بعض الحديث.
4- كلام العرب:
لاشك أن الروايات التي جاءت عن العرب، وامتلأت بها كتب اللغة والنحو والأدب والتاريخ، تمدنا بروافد عديدة في موضوع اللهجات العربية، وذلك أن العلماء عندما قرروا جمع اللغة أخذوها عن العرب الفصحاء الموثوق بعربيتهم، الذين لم تفسدهم الحضارة، وكان الشعر أحد المصادر التي لاقت اهتماما كبيرا من اللغويين، واعتبروه الدعامة الأولى لهم، حتى لقد تخصصت كلمة الشاهد الشعري فيما بعد، وأصبحت مقصورة على الشعر فقط. ولذلك نجد كتب الشواهد لا تضم غير الشعر ولا تهتم بما عداه . ويقسم اللغويون الشعراء إلى طبقات أربع وهي:
أولا: الشعراء الجاهليون قبل الإسلام.
ثانيا: الشعراء المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام.
ثالثا: الشعراء الإسلاميون، وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق وآخرهم ابن هرمة. قال الأصمعي «ختم الشعراء بان هرمة»([31]). وقال أبو عبيدة «افتتح الشعر بامرئ القيس وختم بابن هرمة»([32]).
رابعا: المولدون وهم من بعده إلى زمان بشار وأبي نواس.
فالطبقة الأولى والثانية، يستشهد بشعرهما إجماعا، وإن كان من بينهما بعض الشعراء الذين طعن فيهم، كعدي بن زيد وأبي دؤاد الأيادي.
أما الطبقة الثالثة، فالصحيح جواز الاستشهاد بشعرها، وقد كان أبو عمرو بن العلاء والحسن البصري وعبد الله بن أبي إسحاق يلحنون الفرزدق والكميت وذا الرمة وأضرابهم. يقول الأصمعي:«جلست إلى أبي عمر بن العلاء ثماني حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي»([33]) .
وأما الطبقة الرابعة، فالصحيح أنه لا يستشهد بشعرها مطلقا، ومنهم من أباح الاستشهاد بكلام من يوثق به منه، ومن هؤلاء الزمخشري الذي كان يرى الاحتجاج بشعر أبي تمام.
وإلى جانب الشعر، نجد الشواهد النثرية التي جاءت في شكل خطبة أو وصية أو مثل أو حكمة أو نادرة. ويعد هذا من آداب العرب، وأخذ في الاستشهاد به مكان الشعر.
وقد وضع اللغويون شروطا تشمل الزمان والمكان بالنسبة لهذا المصدر (كلام العرب). أما من ناحية الزمان فقد حددوا في نهاية الفترة التي يستشهد بها بآخر القرن الثاني الهجري بالنسبة لعرب الأمصار. وآخر القرن الرابع الهجري بالنسبة لعرب البادية.
وأما المكان، فقد ربطوه بفكرة البداوة والحضارة، فكلما كانت القبيلة بدوية، أو أقرب إلى حياة البداوة، كانت لغتها أفصح، والثقة فيها أكبر، وكلما كانت متحضرة، أو أقرب إلى حياة الحضارة، كانت لغتها محل شك ومثار شبهة، ولذلك تجنبوا الأخذ عنها.
يقول الفارابي: «كانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعا، وأبينها إبانة عما في النفس. والذين نقلت عنهم اللغة وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أخذ أكثر ما أخذ ومعظمه. وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب وفي التصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين»([34]) .
لقد كانت هذه المرحلة من تاريخ تدوين اللغة العربية، بداية لمرحلة جديدة تمثلت في إقبال العلماء على التأليف والدراسة في كل العلوم اللغوية، وكان الإقبال على هذه العلوم، من الأمور الدينية كما ذكره السيوطي في المزهر حين قال " ولا شك أن علم اللغة من الدين، لأنه من فروض الكفايات، وبه تعرف معاني ألفاظ القرآن والسنة، أخرج أبو بكر الأنباري في كتاب الوقف والابتداء بسنده عن عمر بن الخطاب t قال: لا يقرئ القرآن إلا عالم بالعربية ..وقال الفارابي في خطبة ديوان الأدب: القرآن كلام الله وتنزيله، فصل فيه مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، مما يأتون ويدرون، ولا سبيل إلى علمه وإدراك معانيه إلا بالتبحر في علم هذه اللغة"([35]).
وأول ما عرف في تاريخ التأليف اللغوي عند العرب، تلك الحركة الهادفة إلى تفسير غريب القرآن، وغريب الحديث، باعتباره مفسرا للقرآن، وهي حركة لم يشهدها العهد النبوي، لأن الرسولr كان المرجع في تفسير ما استشكل على المسلمين من أمور دينهم ودنياهم. وتعتبر هذه المحاولات بمثابة الجذور الأولى لبداية درس لغوي حقيقي عند العرب، وهو ما انطلق فيه التأليف فعلا، أواخر القرن الأول الهجري، وبداية الثاني منه، وذاك ما سنعمل على مناقشته في دراسة لاحقة بحول الله تعالى.
الهوامش:
* أستاذ علوم اللغة العربية واللسانيات بكلية الآداب، جامعة السلطان مولاي سليمان، بني ملال، وأستاذ زائر، بالكلية متعددة التخصصات بخريبكة، جامعة الحسن الأول. المغرب.
([1]) الروايا من الإبل: الحوامل للماء، واحدتها راوية.
([2]) الزمخشري أساس البلاغة ، مادة: روى. دار الكتب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1972م.
([3]) الشلقاني، رواية اللغة، ص: 37. دار المعارف القاهرة مصر.
([4]) الأزهري، تهذيب اللغة، مادة: روى. تحقيق عبد السلام هارون وآخرين، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1964م/1967م.
([5]) ابن منظور، لسان العرب، مادة: روى. دار صادر للنشر بيروت الطبعة الثالثة السنة 1994م.
([6]) الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية، مادة: روى. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1956م/1958م.
([7]) محمد عيد، الرواية والاستشهاد باللغة: دراسة لقضايا الروايا والاستشهاد في ضوء علم اللغة الحديث ص:10، عالم الكتب، القاهرة 1976م.
([8]) لسان العرب، مادة: سمع.
([9]) السيوطي: الاقتراح في علم أصول النحو ص:36. تحقيق احمد سليم الحمصي ومحمد احمد قاسم، جروس بريس، الطبعة الأولى،1988م.
([10]) علي أبو المكارم،أصول التفكير النحوي، ص:21. منشورات الجامعة الليبية، 1973م.
([11]) سنن الترميذي كتاب العلم.
([12]) عبده الراجحي، فقه اللغة في الكتب العربية، ص:34-35. دار النهضة العربية بيروت لبنان.
([13]) سورة المائدة، الآية:67.
([14]) السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها 1/138. ، تحقيق محمد أحمد جاد المولى/ محمد أبو الفضل إبراهيم/ علي محمد البجاوي، المكتبة العصرية صيدا بيروت. 1408هـ/1989م.
([15]) مصطفى صادق الرافعي، تاريخ أدب العرب 1/330. دار الفكر بيروت لبنان.
([16]) ابن خلدون، المقدمة، ص: 129-130. دار الجيل بيروت لبنان.
([17])المزهر، 1/ 211-212.
([18]) الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، ص:39. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، دار المعارف، مصر.
([19]) المزهر 1/234.
([20]) عبد العالي الودغيري، من قضايا المعجم عند ابن الطيب الشرقي، ص:53. منشورات عكاظ، المغرب. الطبع الأولى، 1998م.
([21]) الاقتراح في علم أصول النحو، ص:36
([22]) مفردات الراغب الأصفهاني
([23]) الزركشي، البرهان 1 /318. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية صيدا بيروت.
([24]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 1/228. تحقيق سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية،1986م
([25]) سورة النساء، الآية:44.
([26]) مسند أحمد، كتاب العشرة المبشرين بالجنة.
([27]) مسند أحمد، كتاب باقي المكثرين.
([28]) سعيد الأفغاني، في أصول النحو،ص: 25. جامعة دمشق،دار الفكر، الطبعة الثالثة.
([29]) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر1/22. تحقيق محمد الضباع، دار الفكر بيروت.
([30]) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن. تقديم أحمد محمد شاكر، دار الجيل بيروت.
([31]) الاقتراح في علم أصول النحو، ص:26.
([32]) ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ص:56. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل بيروت لبنان. الطبعة الخامسة. 1401هـ/1981م.
([33]) العمدة، ص:57.
([34]) المزهر 1/211-212.
([35]) المزهر 2/302.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق