أهداف منتدى اللسان العربي والخطاب الشرعي: تقديم خدمات متنوعة للطلبة، محركات بحث كثيرة، أخبار العالم من خلال أغلب الجرائد العربية الناجحة، مقالات علمية، مواقع للبحث العلمي، أخبار متنوعة من قنوات عالمية،موسوعات، فهارس خزانة كلية الآداب بني ملال المغرب...إضافة إلى خدمات أخرى ...

السبت، 5 أبريل 2008

اللغة العربية والقراءات القرآنية

بقلم الأستاذ: مولاي إدريس ميموني
تقديم
أجمع العلماء على أن القرآن الكريم نُقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم بروايات متعددة متواترة، ووضع العلماء لذلك علماً لضبط تلك الروايات اصطلحوا عليه بعلم "القراءات القرآنية". وقد قسَّم أهل العلم القراءات القرآنية إلى قسمين رئيسين هما: القراءة الصحيحة، والقراءة الشاذة.

1 - القراءات القرآنية: النشأة والتطور:
إن القراءة القرآنية الصحيحة هي القراءة التي نقلت إلينا بسند متواتر، ووافقت الرسم العثماني، ووافقت وجهاً من وجوه اللغة العربية الصحيحة. وقد أجمع العلماء على أن ما وراء القراءات العشر المجمع عليها من الأمة هي قراءات شاذة لا يعتد بها.
أ - سبب نشأة القراءات القرآنية:
يذكر الباحثون بأن هناك اتجاهين رئيسيين في سبب نشوء القراءات القرآنية ومصادرها: الاتجاه الأول يرجع أسباب ظهور القراءات القرآنية واختلافها إلى طبيعة الكتابة التي كتب بها المصحف العثماني، حيث كتب مجردا عن الشكل والنقط والإعجام، الأمر الذي فتح الباب واسعا للاختلاف حول النطق بأحد الحروف المتشابهة. نتج عن هذا الأمر قراءات متنوعة للوقوف على حقيقة التلفظ بتلك الألفاظ المكتوبة وذلك اجتهادا منهم للوقوف على الوجه الصحيح للرواية. وقد عبر القسطلاني ( ت: 923 هـ ) عن هذا الاتجاه بقوله: "ثم لما كثر الاختلاف فيما يحتمله الرسم، وقرأ أهل البدع والأهواء بما لا يحل لأحد تلاوته، وفاقا لبدعتهم ... رأى المسلمون أن يجمعوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للأغنياء بشأن القرآن العظيم"(
1). )- لطائف الإشارات، للقسطلاني: ج1/ 66 .
ضمن هذه الرؤية تكون القراءات القرآنية اجتهادية فيما احتمل موافقته للصحة من جهة الرسم العثماني.
أما الاتجاه الثاني فيجنح إلى القول بأن منشأ نشوء هذه القراءات المتعددة هو التوصل بالرواية المسندة القطعية المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كيفية القراءة القرآنية إلى النطق بآيات القرآن الكريم كما نزلت ونطقها الرسول عليه السلام.
إذ إن القراءات نشأت عبر تتبع مختلف الطرق المؤدية بأسانيدها المختلفة حتى تتصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وإذا كان الأمر كذلك، فالقراءات متواترة وليس اجتهادية.
ب - تعريف علم القراءات
"علم القراءات" علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية، وطرق أدائها وما يتعلق بذلك. وقد عرفه " ابن الجزري" بأنه: "علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة". (منجد المقرئين ومرشد الطالبين، لمحمد بن محمد ابن الجزري، ص 3. دار الكتب العلمية، 1400هـ).
كما عرفه "طاش كبرى زاده" بقوله: "علم يُبحث فيه عن صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلافات المتواتر"
(مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، طاش كبرى زادة، ج2/6. دار الكتب العلمية الأولى: 1405هـ).
والأصل في القراءات هو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والقراءة اصطلاحا : مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أو في نطق هيئاتها.
أما الرواية : فهي ما ينسب للراوي عن الإمام القارئ، مثل رواية ورش عن نافع، ورواية حفص عن عاصم.
والمقرئ: هو العالم بالقراءات، التي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم. إن الاختلاف والتعدد في القراءات القرآنية أمر أجمعت عليه الأمة الإسلامية منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل بهذا الاختلاف الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم من غير نكير من أحد منهم.
2 - تطور مدارس القراءات القرآنية:
نشأ علم القراءات أول ما نشأ بالتلقين الشفوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة ومنهم إلى من بعدهم، حيث أتقن الصحابة رضوان الله عليهم تلاوة القرآن وضبطه بحكم تلقيهم المباشر عن النبي عليه السلام، وبحكم إلمامهم الواسع بقواعد اللغة العربية التي كانت بالنسبة إليهم تشكل ملكة وسليقة.
وبعد توزيع المصاحف في مختلف الأمصار في عهد عثمان وما نتج عن ذلك من نشاط في الكتابة والأداء، نشأت مدارس في الإقراء ارتكزت كل منها على بعض القراء الصحابة، معتمدة على المصحف الذي أرسل إليها "إماما" في تثبيت النص القرآني؛ فبرزت للوجود مدارس في القراءات في مختلف تلك الأمصار، وهكذا برزت مدرسة الحجار وكان من أبرز روادها أبي بن كعب وزيد بن ثابت، ومدرسة الشام و على رأسها أبو الدرداء، ومدرسة البصرة، ثم مدرسة الكوفة.. تطورت هذه المدارس بعد بروز قرائها الكبار، فلمع في جيل تابعي التابعين الأئمة القراء الذين تنسب إليهم القراءات السبع الشهيرة المتواترة التي أجمعت الأمة على صحة قراءة القرآن الكريم بها. (وهي قراءة نافع، وأبو عمرو البصري، وعبد الله بن عامر اليحصبي الشامي، وعاصم بن أبي النجود الكوفي، وحمزة بن حبيب الكوفي، وعلي بن حمزة الكسائي. وقد اهتم الإمام ابن مجاهد أحمد بن موسى بجمع وتدوين هذه القراءات السبع لهؤلاء القراء في كتابه (القراءات السبع)).
ومع مرور الزمن احتاج الناس إلى تدوين هذا العلم وتقعيد قواعده. وهكذا في مختلف عصور التاريخ الإسلامي اهتم المسلمون اهتماما واسعا بقراءة القرآن وضبطه، و نال علم القراءات عناية كبيرة من العلماء المشتغلين بعلوم القرآن الكريم، وعدوه من أشرف العلوم الإسلامية، ونبغ في كل فترة زمنية نخبة من القُرّاء انصبت اهتماماتهم على ضبط القراءات القرآنية وتوجيهها . وقد أحصى "ابن الجزري" في مؤلفه "طبقات القراء" نحوا من أربعة آلاف قارئ، وكانت لهم إسهامات هامة في علم القراءات تأصيلا وتأليفا.
وصفوة القول: إن لكل مدرسة قرآنية خصائص ومميزات معينة بسبب اختلاف الروايات المقروءة في الرسم العثماني، أو بسبب التأثر بطبيعة الأداء بحروف القبائل العربية القاطنة في كل قطر، إلا أن هذه المميزات لم تنل من وحدة النص القرآني وقداسته، وإنما كانت رحمة وتوسيعا للأمة.. وأشهر الطرق المنتشرة الآن في العالم الإسلامي أربع روايات في القراءات: وهي رواية ورش وقالون عن نافع، ورواية حفص عن عاصم والدوري عن أبي عمرو بن العلاء، ..
أ - أنواع القراءات حسب أسانيدها:
قسَّم أهل العلم القراءات القرآنية إلى قسمين رئيسين هما: القراءة الصحيحة: وهي القراءة التي نقلت إلينا بسند متواتر، ووافقت الرسم العثماني، ووافقت وجهاً من وجوه اللغة العربية الصحيحة، فكل قراءة استوفت هذه الأركان الثلاثة، فهي قراءة قرآنية صحيحة، وهذا هو قول عامة أهل العلم.
أما القراءة الشاذة: فهي كل قراءة اختل فيها ركن من الأركان الثلاثة السابقة.
واتفق أهل العلم على أن ما وراء القراءات العشر التي جمعها القراء، شاذ غير متواتر، لا يجوز اعتقاد قرآنيته، ولا تصح الصلاة به، والتعبد بتلاوته، إلا أنهم قالوا: يجوز تعلُّمها وتعليمها وتدوينها، وبيان وجهها من جهة اللغة والإعراب.
أما من ناحية الإسناد فقد قسم علماء هذا الشأن القراءات إلى ستة أقسام:
- القراءة المتواترة : وهو ما نقله جمع غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهى السند، وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترات.
- القراءة المشهورة : وهو ما صح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء: فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، وهذا لا تصح القراءة به، ولا يجوز رده، ولا يحل إنكاره.
- القراءة الآحاد : وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا لا يجوز القراءة. مثل ما روى على (( رفارف حضر وعباقري حسان))، والصواب الذي عليه القراءة: {رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76].
- القراءة الشاذة: وهو ما لم يصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية، مثل قراءة : ((مَلَكَ يومَ الدين ))، بصيغة الماضي في ((ملك )) ونصب (( يوم )) مفعولاً.
- القراءة الموضوعة : وهو المختلق المكذوب.
- وقراءة تشبه "المدرج" من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءة على وجه التفسير.
وهذه الأنواع الأربعة الأخيرة لا تحل القراءة بها ولا تجوز، ويعاقب من قرأ بها على جهة التعبير.
ب - ضابط القراءة المقبولة:
لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي:
كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف ولو احتمالا، وتواتر سندها، فهي القراءة الصحيحة.
يتبين من هذا الضابط ثلاثة شروط هي:
الشرط الأول: موافقة العربية ولو بوجه:
ومعنى هذا الشرط أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه النحو، ولو كان مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، فلا يصح مثلا الاعتراض على قراءة حمزة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء: 1] بجر الأرحام.
الشرط الثاني: موافقة خط أحد المصاحف ولو احتمالا:
وذلك أن النطق بالكلمة قد يوافق رسم المصحف تحقيقا إذا كان مطابقاً للمكتوب، وقد يوافقه احتمالاً أو تقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر من وجه.
مثال ذلك: {ملك يوم الدين} رسمت {ملك} بدون ألف في جميع المصاحف، فمن قرأ: (ملك يوم الدين) بدون ألف فهو موافق للرسم تحقيقياً، ومن قرأ: {مالك} فهو موافق تقديراً، لحذف هذه الألف من الخط اختصاراً .
الشرط الثالث: تواتر السند:
وهو أن تعلم القراءة من جهة راويها ومن جهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة.
ج - أسماء أئمة القراءة وأسماء أشهر تلاميذهم:
من الضروري والطبيعي أن يشتهر في كل عصر جماعة من القراء، في كل طبقة من طبقات الأمة، يتفقون في حفظ القرآن، وإتقان ضبط أدائه والتفرغ لتعليمه، من عصر الصحابة، ثم التابعين، وأتباعهم وهكذا …
ولقد تجرد قوم للقراءة والأخذ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم. فكان بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ثم شيبة بن نصاح، ثم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم.
وكان بمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن مُحَيْص. وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النَّجود الأسدي، وسليمان الأعمش، ثم حمزة بن حبيب، ثم الكِسائي أبو علي بن حمزة.
وكان بالبصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، ثم عاصم الجحدري،ثم يعقوب الحضرمي.
وكان بالشام: عبد الله بن عامر، وعطية بن قيس الكلابي، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر، ثم يحيى بن الحارث الذماري، ثم شريح بن زيد الحضرمي.
ثم جاء الإمام أحمد بن موسى بن العباس المشهور بابن مجاهد المتوفى سنة ( 324هـ ) فأفرد القراءات السبع المعروفة، فدونها في كتابه: " القراءات السبعة" فاحتلت مكانتها في التدوين، وأصبح علمها مفرداً يقصدها طلاب القراءات.
وقد بنى اختياره هذا على شروط عالية جداً، فلم يأخذ إلا عن الإمام الذي اشتهر بالضبط والأمانة، وطول العمر في ملازمة الإقراء، مع الاتفاق على الأخذ منه، والتلقي عنه ، فكان له من ذلك قراءات هؤلاء السبعة، وهم:
1- نافع بن عبد الرحمن المدني (تـ 169هـ)، وأشهر تلاميذه قالون ووَرش.
2- عبد الله بن كثير المكي (تـ 120هـ)، وأشهر تلاميذه قَنْبل محمد بن عبد الرحمن. وأحمد بن محمد البزي.
3- أبو عمرو زبان بن العلاء البصري (تـ 154هـ)، وأشهر رواة قراءته حفص بن عمرو الدوري وصالح بن زياد السوسي.
4- عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي (تـ 118هـ)، وأشهر رواته هشام بن عمار الدمشقي وعبد الله بن أحمد.
5- عاصم بن أبي النجود الكوفي (تـ 127هـ)، وأشهر رواته حفص بن سليمان وشعبة بن عياش.
6- حمزة بن حبيب الكوفي (تـ 156هـ)، وأشهر رواته خلاد بن خالد وخلف بن هشام.
7- علي بن حمزة الكسائي (تـ 169هـ)، وأشهر رواته حفص بن عمرو والليث بن خالد.
وقد قام الإمام ابن مجاهد أحمد بن موسى بتدوين القراءات السبع لهؤلاء القراء في كتابه (القراءات السبع).
وتوجد ثلاث قراءات للقرآن الكريم غير تلك السبع المشهورة لكنها دونها في الأهمية والتواتر. وهذه القراءات الثلاث هي قراءات: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني (ت 130هـ)، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي الكوفي (ت 205هـ)، وخلف بن هشام (ت 229 هـ).
وذكر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" أن القراءات التي يُقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام هي: قراءة نافع براوية قالون، في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي ليبيا. وبرواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري، وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان. وقراءة عاصم براوية حفص عنه في جميع المشرق، وغالب البلاد المصرية، والهند، وباكستان، وتركيا، والأفغان. وقراءة أبي عمرو البصري يُقرأ بها في السودان المجاور لمصر.
وصفوة القول إن كلا من شكل المصحف العثماني، وطريق الرواية المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إضافة إلى تعدد اللهجات العربية، كلها قضايا ذات أهمية باعتبارها مصادر من مصادر القراءات، وأسبابا في نشوء القراءات ومناهج اختلافها.
د - فائدة تعدد القراءات:
*- التيسير على العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، حيث كانوا قبائل مختلفة كقريش، وتميم، وثقيف، وهوازن، وكان بين لغاتهم ولهجاتهم شيء من الاختلاف سواءٌ في طريقة النطق كالفتح والإمالة، أو التحقيق والتسهيل أو حتى في إعراب الكلمات، وغير ذلك من أنواع الاختلاف .
*- إعجاز القرآن حيث نزل على هذه الأوجه جميعاً، إذ تأتي الآية أحياناً على وجهين مختلفين دون أن يكونا متناقضين، وقد تأتي قراءة بزيادة لفظ فيكون فيها فائدة، وتأتي قراءة أخرى تحذف هذا اللفظ لتشير إلى معنى آخر من جهة أخرى .
*- أن يكون في بعض القراءات زيادة حكم على القراءة الأخرى، إذ إن القراءتين كالآتيتين مثال ذلك: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ...) [سورة المائدة: الآية: 6 ] قرئ بجرها "وأرجلِكم" وبنصبها "وأرجلَكم " . قال بعض المفسرين: النصب يفيد الغسل؛ لأنه معطوف على الأيدي، والجر يفيد المسح حين يكون على الأرجل جوارب؛ لأنه معطوف على الرؤوس.. إلى غير ذلك من وجوه التيسير والإفادة..
هـ - أشهر المؤلفات في علم القراءات
- كتاب "السبعة" لابن مجاهد (تـ 324هـ).
- كتاب "التبصرة في القراءات السبع" لمكي بن طالب (تـ 437هـ).
-القراءات لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم - من أوائل من قام بالتأليف في هذا العلم، جمع فيه خمسة وعشرين قارئاً.
- كتاب "التيسير في القراءات السبع" لعثمان بن سعيد الداني (تـ 444هـ).
- منظومة "حرز الأماني ووجه التهاني" في القراءات السبع لقاسم بن فِيُرَّة الشاطبي (تـ 590هـ)، وهو نظم لكتاب "التيسير" للداني. واشتهرت باسم الشاطبية، اشتغل بها العلماء شرحًا، واختصارًا، وزيادة، ولاقت قبولاً بين الناس.
- كتاب "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (تـ 833هـ).. وهو من أجمع ما كُتب في هذا الموضوع، وقد وضعت عليه شروح كثيرة، وله نظم شعري بعنوان "طيِّبة النشر".
- إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله لأبي بكر ابن القاسم الأنباري.
- هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري للشيخ عبد الفتاح المرصفي.
- بهجة النفوس في تجويد كلام القدوس للدكتور مأمون كاتبي الحلبي...
إلى غيرها من المؤلفات في هذا العلم.

3 - الفرق بين القراءات السبع والأحرف السبعة:
باستقراء مختلف الأحاديث الثابتة في هذا الموضوع يتضح أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات نزل بها القرآن. وأن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة، على خلاف ما اعتقد البعض، لأن القراءات السبع إنما عرفت واشتهرت في القرن الرابع، على يد الإمام "ابن مجاهد" الذي اجتهد في تأليف كتاب يجمع فيه قراءات بعض الأئمة المبرزين في القراءة، فاتفق له أن جاءت هذه القراءات سبعا موافقة لعدد الأحرف... وقد دأب العلماء على التنبيه على هذه المسألة في مختلف العصور، وأكدوا ضرورة التفريق بين القراءات السبع والأحرف السبعة.
أ - الأحرف السبعة:
التعريف:
لغة: الحرف في أصل كلام العرب معناه الطرف والجانب، وحرف السفينة والجبل جانبهما.
اصطلاحاً: الأحرف السبعة: سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءات أنزل عليها القرآن الكريم.
ب- بيان الأحرف السبعة في الحديث النبوي:
لما كان سبيل معرفة هذا الموضوع هو النقل الثابت الصحيح عن الذي لا ينطق عن الهوى، نقدم ما يوضح المراد من الأحرف السبعة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكِدت أساوِره في الصلاة ، فتصَّبرت حتى سلّم ، فلَبَّبْتُهُ بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنِيْها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، أقرانيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقرئها، فقال: " أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذلك أنزلت " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اقرأ يا عمر "، فقرأت التي أقرأني. فقال:"كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه ".
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ".
جـ - الأحرف السبعة والقراءات السبع:
دلتنا النصوص على أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات نزل بها القرآن، ونود أن ننبه بأن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة، التي يظن كثير من عامة الناس أنها الأحرف السبعة. وهو خطأ عظيم ناشىء عن الخلط وعدم التمييز بين الأحرف السبعة والقراءات.
وهذه القراءات السبع إنما عرفت واشتهرت في القرن الرابع، على يد الإمام المقرىء ابن مجاهد الذي اجتهد في تأليف كتاب يجمع فيه قراءات بعض الأئمة المبرزين في القراءة، فاتفق له أن جاءت هذه القراءات سبعة موافقة لعدد الأحرف، فلو كانت الأحرف السبعة هي القراءات السبع، لكان معنى ذلك أن يكون فهم أحاديث الأحرف السبعة، بل العمل بها أيضاً متوقفاً حتى يأتي ابن مجاهد ويخرجها للناس …
وقد كثر تنبيه العلماء في مختلف العصور على التفريق بين القراءات السبع والأحرف السبعة، والتحذير من الخلط بينهما.
د- حقيقة الأحرف السبعة:
ذهب بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراء أوجه الخلاف الواردة في قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجه إلى سبعة أصناف، بينما عمد آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ، فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:
المذهب الأول: مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفي القراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذين تتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع من الاختلاف.
أحدها: اختلاف أوزان الأسماء من الواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة. ومن أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَاتِهِمْ} بالإفراد.
ثانيها: اختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر والمؤنث، والمتكلم والمخاطب، والفاعل، والمفعول به. ومن أمثلته: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقرئ: {رَبَّنَا بَاعَدَ} فعلا ماضيا.
ثالثها: وجوه الإعراب. ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قرئ بفتح الراء وضمها. وقوله {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ} وجره.
رابعها: الزيارة والنقص، مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}.
خامسها: التقديم والتأخير، مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون} ومثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}، قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
سادسها: القلب والإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، مثل: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ: {ننشرها} بالراء.
سابعها: اختلاف اللغات: مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيم وإدغام…
فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقة الرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعة المتنوعة.
المذهب الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة لغات من لغات قبائل العرب الفصيحة.
وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ، فأنزل القرآن على سبع لغات مراعيا ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعض العرب،فأنزل الله القرآن بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل في القرآن من القراءات ما يسهل على جلّ العرب إن لم يكن كلهم، وبذلك كان القرآن نازلا بلسان قريش والعرب.
فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيان المراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم. غير أنا نرى أن المذهب الثاني أرجح وأقوى.
هـ - أهمية الأحرف السبعة والقراءات:
إن الأحرف السبعة والقراءات ظاهرة هامة جاء بها القرآن الكريم من نواح لغوية وعلمية متعددة، نوجز طائفة منها فيما يلي:
-1 زيادة فوائد جديدة في تنزيل القرآن: ذلك أن تعدد التلاوة من قراءة إلى أخرى، ومن حرف لآخر قد تفيد معنى جديداً، مع الإيجاز بكون الآية واحدة.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، قرىء: {وأرجِلَكم} بالنصب عطفاً على المغسولات السابقة، فأفاد وجوب غسل القدمين في الوضوء، وقرىء بالجر، فقيل: هو جر على المجاورة، وقيل: هو بالجر لإفادة المسح على الخفين، وهو قول جيد.
-2 إظهار فضيلة الأمة الإسلامية وقرآنها:
وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله، فإنما نزل بلسان واحد، وأنزل كتابنا بألسن سبعة بأيها قرأ القارىء كان تالياً لما أنزله الله تعالى.
-3 الإعجاز وإثبات الوحي:
فالقرآن الكريم كتاب هداية يحمل دعوتها إلى العالم، وهو كتاب إعجاز يتحدى ببيانه هذا العالم، فبرهن بمعجزة بيانه عن حقية دعوته، ونزول القرآن بهذه الأحرف والقراءات تأكيد لهذا الإعجاز، والبرهان على أنه وحي السماء لهداية أهل الأرض من أوجه هذه الدلالة:
إن هذه الأحرف والقراءات العديدة يؤيد بعضها بعضاً من غير تناقض في المعاني والدلائل، ولا تناف في الأحكام والأوامر، فلا يخفى ما في إنزال القرآن على سبعة أحرف من عظيم البرهان وواضح الدلالة. إن نظم القرآن المعجز، والبالغ من الدقة غايتها في اختيار مفرداته وتتابع سردها، وجملة وإحكام ترابطها، وتناغمه الموسيقي المعبر يجري عليه كل ما عرفنا من الأوجه السابقة في الأحرف والقراءات ثم يبقى حيث هو في سماء الإعجاز، لا يعتل بأفواه قارئيه، ولا يختل بآذان سامعيه، منزها أن يطرأ على كلامه الضعف أو الركاكة، أو أن يعرض له خلل أو نشاز.

ليست هناك تعليقات:

ابحث

ندوة البحث العلمي الجامعي وتحديات التنمية الجهوية بكلية الآداب ببني ملال

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

47803
Google
دليل العرب الشامل الجزيرة نت سوالف المنتديات
شكرا على الزيارة ... عدد مرات زياراتك لموقعنا هو NaN مرة.

محرك جوجل

محركات للبحث